قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "ومما يدل على أن الذبيح ليس هو إسحاق أن الله تعالى قال: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) ، فكيف يأمر بعد ذلك بذبحه؟، والبشارة بيعقوب تقتضي أن إسحاق يعيش ويولد له يعقوب، ولا خلاف بين الناس أن قصة الذبيح كانت قبل ولادة يعقوب، بل يعقوب إنما ولد بعد موت إبراهيم عليه السلام، وقصة الذبيح كانت في حياة إبراهيم عليه السلام بلا ريب" [مجموع الفتاوى (٤/٣٣٥) ] .
٣- أن الله سبحانه وتعالى وصف إسماعيل بأنه حليم في مواضع من القرآن، ووصفه
بالحلم في قصة الذبح، وأما إسحاق فوصف بأنه عليم، ووَصف الذبيح بالحلم مُناسب
للصبر في قصة الذبح، وقد جاء وصف إسماعيل بالصبر في قوله:(وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الأنبياء:٨٥] ، وقال الذبيح:(يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) .
٤- أن البشارة بإسحاق كانت معجزة، حيث بُشر به إبراهيم وامرأته كبيرة، ولهذا
قالت:(أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)[هود:٧٢] ، وقال إبراهيم:(أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)[الحجر:٥٤] ، فكانت البشارة مشتركة بينه وبين امرأته، وأما البشارة بإسماعيل فكانت لإبراهيم، ثم إن هاجر ولدت إسماعيل فغارت سارة، فذهب إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة، وهناك أمر بالذبح، كما دلت على هذا الآثار، وفي الحديث حين دخل الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة وصلى فيها أنه قال:"إِنِّي كُنْتُ رَأَيْتُ قَرْنَيْ الْكَبْشِ حين دَخَلْتُ الْبَيْتَ فَنَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَهُمَا فَخَمِّرْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ ". أخرجه الإمام أحمد (٢٢٧١٠) .
والمقصود بقرني الكبش المذكور في الحديث، الكبش الذي فُدي به الذبيح، قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهذا وحده دليلٌ على أن الذبيح إسماعيل، لأنه كان هو المقيم بمكة، وإسحاق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره، والله أعلم" [البداية والنهاية (١/٣٦٦) ] .
فهذه الأدلة تدل على أن الذبيح هو إسماعيل، وقد جاء في التوراة ما يدل على أن الذبيح هو إسماعيل ففيها:"اذبح ابنك وحيدك"، وفي نسخة:"بكرك"، وإسماعيل هو الذي كان وحيده، قال ابن تيمية:"لكن أهل الكتاب حرفوا فزادوا إسحاق، فتلقى ذلك عنهم من تلقاه، وشاع عند بعض المسلمين أنه إسحاق، وأصله من تحريف أهل الكتاب" [مجموع الفتاوى (٤/٣٣٢) ] .
وقال ابن كثير:"لفظة" إسحاق" هاهنا مقحمة مكذوبة مفتراة، لأنه ليس هو الوحيد، ولا البكر، وإنما الوحيد البكر إسماعيل" [البداية والنهاية (١/٣٦٦) ] . والله أعلم.