فاعلم -حفظك الله - أن اللوازم التي يقال إنها تلزم على كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- نوعان: أحدها: لوازم صحيحة، غير منافية لكماله سبحانه، فالواجب الالتزام بها وقبولها، كأن يقول من ينفي الرؤية يلزم من إثبات الرؤية أن يكون الرب تعالى في جهة!، فنقول: نعم، هو في جهة العلو بالنسبة للرائين، فهم يرون ربهم من فوقهم، ولازم الحق حق. الثاني: لوازم باطلة: تنافي كماله سبحانه، فهي ممتنعة في حقه تعالى، ولا نسلم أنها لازمة لنصوص الكتاب والسنة، وإنما يدعيها من يزعم أن ظاهر النصوص تقتضي التشبيه، وتسبق إلى ذهنه لوثة التمثيل، فيبادر إلى نفيها فراراً من هذه اللوازم المزعومة، وهي ليست بلازم، كمن يدعي أن إثبات استواء الله على عرشه يستلزم أن يكون محتاجاً إلى العرش، أو أن يكون الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مساوياً له، أو يستلزم المماسة والملاصقة ونحو ذلك من الإيرادات الناشئة عن التكلف المذموم، والفهم الخاطئ أن استواء الله على عرشه كاستواء أي جسم على أي جسم، ومثله أيضاً ما ورده في هذا السؤال، فيقال: إن ما أخبر الله به عن نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال قد أضافها إلى نفسه وذاته، وحيث إن ذاته لا تشبه الذوات، فصفاته لا تشبه الصفات، فهي صفة حقيقية لائقة بجلاله، لا يلزم عليها شيء من اللوازم الباطلة.
ألم تر أن من ينكر الاستواء والرؤية والقدم واليد، استناداً إلى مثل هذه اللوازم المزعومة، أنه في نفس الوقت يثبت الصفات المعنوية كالعلم، لو قيل له إن من لوازم العلم الحفظ، والتذكر، ونحو ذلك، لقال: كلا! هذا علم المخلوقين، وصدق، فكذلك يقال فيما يدعونه من لوازم ليدفعوا بها في نحور النصوص الصحيحة، إنها لا تلزم في حق الخالق، ولو لزمت في حق المخلوقين فإن الله "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"[الشورى: ١١] .