للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن المقصود حفظ الشريعة والدين، ولا يتحقق هذا على وجه الكمال والتمام إلا بحفظ السنة التي هي بيان للقرآن، وقد دل على هذا قوله سبحانه: " إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرآنه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" [القيامة: ١٨-١٩] ، أي بيان القرآن وإيضاحه علينا، ويستلزم من ذلك حفظ هذا البيان، وهو السنة. وقد حفظ الله السنة في صدور الصحابة- رضي الله عنهم- والتابعيين حتى بلغوها للأمة وكتبت ودونت في المصنفات، والمسانيد والمعاجم، وهيأ الله -سبحانه وتعالى- لهذه السنة جهابذة العلماء الذين بذلوا جهوداً عظيمة في حفظها من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وابتكروا وسائل وطرقاً تضمنت أصولاً وقواعد عرفت بعلوم الحديث، وهي في غاية الإتقان والإحكام يحصل من خلالها تمييز الصحيح من الضعيف والمحفوظ من المنكر والشاذ، وإيضاح الأوهام والأخطاء التي توجد في الأسانيد والمتون، ومن أمعن النظر في تراجم أئمة الحديث، وتدبر ما آتاهم الله من قوة الحفظ وسداد الفهم والتفاني في خدمة السنة وحياطتها والذب عنها أدرك أن ذلك ثمرة حفظه تعالى لدينه وشريعته، ولكن لما كان القرآن معجزاً بألفاظه ومعانيه ومتعبداً بتلاوته جعل الله حفظه إليه ونُقل نقلاً متواتراً، وأما السنة فلم يقصد التعبد ولا الإعجاز بألفاظها فحفظها الله- سبحانه وتعالى- بتهيئة أولئك الأئمة الذين بذلوا جهوداً عظيمة في حفظها والذب عنها، يقول ابن تيمية: (فإن الدين محفوظ بحفظ الله له ولما كانت ألفاظ القرآن محفوظة منقولة بالتواتر لم يطمع أحد في إبطال شيء منه ولا في زيادة شيء فيه بخلاف الكتب التي قبله قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر: ٩] بخلاف كثير من الحديث طمع الشيطان في تحريف كثير منه وتغيير ألفاظه بالزيادة والنقصان والكذب في متونه وإسناده فأقام الله له من يحفظه ويحميه، وينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فبينوا ما أدخل أهل الكذب فيه وأهل التحريف في معانيه) الرد على البكري (١/ ١٧١) ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- أيضاً: (قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"

<<  <  ج: ص:  >  >>