والجواب: أن التعزية وردت في الشرع مطلقة، فلم يجز لأحد تقييدها بالرأي، ثم إن المصاب لا يسلو بعد ثلاثة أيام ولا عشرة، ولو سُلِّم ذلك فليست التعزية مقصورة على التسلية، بل من مقاصدها إشعار المصاب بوقوف الناس معه، وهذا من أسمى مقاصد الشريعة، لما فيه من جمع القلوب، بحيث يصير الناس كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، وأما الإحداد فهو تعبير عن الحزن، فلا ينبغي أن يدوم أكثر من ثلاثة أيام على غير زوج، بخلاف التعزية التي هي تسلية، فإن اللائق أن يكون مدارها على موجبها، فمتى وجد المصاب حزيناً شرع لمن لم يعزه أن يعزيه، سواء كان ذلك في الأيام الثلاثة أو بعدها، فليس فيما ذكروا متمسك، وإنما الأعدل حمل الأدلة على عمومها وإطلاقها، فإن الغرض من التعزية الدعاء، والحمل على الصبر، والنهي عن الجزع، وهذا يحصل مع طول الزمان، والله -تعالى- أعلم.
وأما صنع الطعام لأهل الميت فإنه مسنون لأقربائهم وجيرانهم إما ثلاثة أيام كما في مذهب أحمد، وإما يوماً وليلة كما في مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي، لما أخرجه الخمسة، إلا النسائي (أحمد (١٧٥١) وأبو داود (٣١٣٢) وابن ماجة (١٦١٠) والترمذي (٩٩٨)) بإسناد صحيح عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم".
وإنما المحظور الضيافة من أهل الميت، وهي أن يصنع أهل الميت طعاماً ويجمعوا الناس عليه، فإن هذا مكروه باتفاق العلماء؛ لحديث جرير بن عبد الله عند ابن ماجة (١٦١٢) وأحمد (٦٩٠٥) :"كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة"،إسناده جيد، والله -تعالى- أعلم.