والإشكال الذي يفهم من السائل أن استعمال لفظ الذات في هذا الموضع لم يعرف في الصدر الأول، وهو كذلك، فإنه من الاصطلاحات التي استعملت في القرن الرابع، ولعل من أوائل من استعملها القاضي أبو بكر الباقلاني، والقاضي عبد الوهاب من علماء المالكية بالعراق، واستعملها ابن أبي زيد في رسالته في قوله:"وأنه فوق عرشه المجيد بذاته"، وكذلك أبو عمر الطلمنكي من أئمة الحديث بالأندلس، ولعل عذرهم في ذلك مبالغتهم في الرد على من قال: إن إثبات العلو والاستواء يستلزم الحيز والإحاطة، وعلى من قال: بأن الله -تعالى- في كل مكان، وليس فيما قالوه - رحمهم الله- مخالفة، وإنما استعمال الألفاظ التي جاءت بها النصوص أولى، وذلك مثل من يقول: الله مستو على عرشه، أو فوق عرشه، فإن مؤدى العبارتين واحد، وقد استعمل ابن أبي زيد لفظة فوق في قوله:"وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه ... إلى أن قال: على العرش استوى، وعلى الملك احتوى"، قال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة:"هذه العبارة الآخرة التي هي قوله: على العرش أحب إلي من الأولى التي هي قوله: وأنه على عرشه المجيد بذاته؛ لأن قوله: على عرشه، هو الذي ورد به النص ولم يرد النص بذكر فوق، وإن كان المعنى واحداً، وكان المراد بذكر الفوق في هذا الموضع أنه بمعنى على، إلا أن ما طابق النص أولى بأن يستعمل" ا. هـ. والله -تعالى- أعلم.