إن هذه اللوازم التي يذكرها بعض الناس على نزوله هي لوازم نزول المخلوق أما الخالق فشأنه أعظم وأجل من ذلك. وما يلزم على نزول المخلوق لا يلزم على نزول الخالق سبحانه للقطع بنفي المماثلة بين الخالق والمخلوق.
وكون البلاد تختلف في حصول ثلث الليل الآخر ولا تتفق بحيث يحصل الثلث في بلد فإذا انتهى حصل في غيره بحيث أن الأرض جميعاً لا تخلو من ثلث ليل، فهذا صحيح مشاهد، وكون هذا يلزم عليه استمرار النزول الإلهي فلا مانع يمنع من ذلك إذا علمنا أن نزوله سبحانه لا يلزم منه خلو العرش منه، لأن نزوله ليس كنزول المخلوق الذي يلزم منه حركة وانتقال وخلو مكان وما أتت هذه الشبهة إلا من قياس النزول الإلهي على النزول البشري، أما إذا علمنا انتفاء المماثلة بين النزولين فلا يلزم حينئذ على أحد النزولين ما يلزم على الآخر، فلكل نزوله اللائق به، فنزول المخلوق يلزم منه خلو المكان والانتقال من مكان إلى مكان، ونزول الخالق لا يلزم منه ذلك، فهو مع نزوله مستو على عرشه، والجميع حق على حقيقته، نؤمن به، ولا نكيفه، ولا نشبهه، ولا نعطله.
وإذا كان نزول الحق سبحانه لا يلزم منه خلو العرش فلا مانع من القول باستمرار النزول نظراً لأن الأرض لا تخلو من ثلث ليل، ويبقى بعد ذلك الفضل المترتب على النزول الإلهي خاصاً بمن أدركهم ثلث ليلهم دون من سواهم فيكون نزول الحق بحسب ثلث كل ليل نزولاً لائقاً بجلال الله وعظمته.