"الصلاة على السجادة (بحيث يتحرى المصلي ذلك: فلم تكن هذه سنة السلف من المهاجرين والأنصار ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ بل كانوا يصلون في مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها، وقد روي أن عبد الرحمن بن مهدي لما قدم المدينة بسط سجاده، فأمر مالك بحبسه؛ فقيل له: إنه عبد الرحمن بن مهدي، فقال: أما علمت أن بسط السجادة في مسجدنا بدعة؟! أ. هـ مجموع الفتاوى (٢٢/١٦٣) .
ولا شك أن كلام الإمام مالك هنا محمول على تحري الصلاة على السجاد بحيث يجد المصلي في نفسه حرجاً أو شكًّا في صلاته لو صلاها على غير سجاد، ونحن نحمله على هذا المحمل؛ لأنه قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صلى مرة على حصير ومرة على خمرة ـ وهي فراش يعمل من سعف النخل يسجد عليه المصلي يتقي به حر الأرض وبردها ـ انظر ما رواه البخاري (٣٣٣) ، ومسلم (٥١٣ -٥١٩) من حديث ميمونة وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما -.
وأما ما ذكره الشيخ المسؤول- حفظه الله- من أن فرش السجاد على السجاد بدعة ما لم يكن هنالك سبب يقتضيه كشدة برد.. إلخ؛ ففيه تشديد في مسألة الأمر فيها واسع، والحكم على الشيء بأنه بدعة يحتاج إلى دليل ظاهر وتثبت، وكان الأولى أن يقيد بدعية هذا العمل (فرش السجاد على السجاد) بحالة ما لو اعتقد متخذ السجاد عند الصلاة أن الصلاة بدون السجاد ناقصة أو باطلة.
وما ذهب إليه من كون اتخاذ الإمام سجاداً فوق سجاد المسجد المفروش لعامة المصلين بدعة فهو أمر لا أوافقه عليه البتة، لأن الذي يضعها للإمام إنما يريد بها تكريم منزلته، أو تحديد مكانه.
ومع ذلك فهذا لا ينبغي - لكنه ليس بدعة- لعدم الحاجة إليها، ولأن ذلك قد يوقع في قلبه شيئاً من الترفع والتعالي على الناس، والحاصل أن فرش المصلى أو المسجد بالسجاد جائز، ويكون مستحباً إذا كان فرشه لأجل أن يقي المصلين حر الأرض أو برودتها أو وسخها.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.