وحديث أبي سعيد –رضي الله عنه- هذا وإن كان رواه مسلم فقد رجَّح عدد من أئمة الحديث كالإمام البخاري وغيره أن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- وأن الصحيح فيه أنه من قول أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-، وعلى هذا فلا حجة فيه؛ لأن قول الصحابي ليس بحجَّة كقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم خصوصاً إذا خالف قول الرسول – صلى الله عليه وسلم- وقد عارض قول أبي سعيد هذا الأحاديث التي قدمنا ذكرها وهي صحيحة لا مطعن فيها. والنهي الوارد في حديث أبي سعيد لو صح مرفوعاً إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-، فقد بين العلماء المراد منه والجواب عليه، فمما قالوا في ذلك:
أن هذا النهي عن كتابة الحديث إنما كان في أول الإسلام؛ مخافة أن يختلط الحديث بالقرآن، فلما كثر عدد حفاظ القرآن، وميزوا القرآن من غيره نسخ هذا النهي، وأمروا بالكتابة.
وقال بعض العلماء: يمكن أن يكون النهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لأنهم كانوا يسمعون تفسير الآيات فربما كتبوه معه، فنهوا عن ذلك خوف الاشتباه، ويؤيد هذا أنه قال – صلى الله عليه وسلم-: "لا تكتبوا شيئاً غير القرآن"، ولم يقل لا تكتبوا حديثي فقط.
ومع هذا فقد ثبت لدينا أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- بأمره عليه الصلاة والسلام وتوجيهه، ولما توقَّف عن الكتابة أعاد عليه الأمر مرة أخرى.
ومع وجود بعض الأحاديث مكتوباً فإن الأعم الأغلب من السنة لم يكن مدوناً في الصحف والسطور، وإنما كان محفوظاً في الصدور وهذه هي الطريقة الثانية في حفظ السنة وهي الاعتماد على الحفظ، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يدعو أصحابه إلى حفظ الحديث ووعيه في الصدور، ففي صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال لوفد عبد القيس لما حدثهم بحديث:"احفظوه وأخبروه من ورائكم" أخرجه البخاري ح (٨٧) .
بل إنه عليه الصلاة والسلام دعا لمن حفظ حديثه وبلَّغه إلى غيره، فعن زيد بن ثابت وابن مسعود وغيرهما – رضي الله عنهم- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:"نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره. الحديث" حديث زيد بن ثابت أخرجه أبو داود ح (٣٦٦٠) ، والترمذي ح (٢٦٥٦) وابن ماجة ح (٢٣٠) وح (٢٣٣) ، وحديث ابن مسعود أخرجه الترمذي ح (٢٦٥٧) ، و (٢٦٥٨) ، وغيره.