مكة المكرمة أشهر مدن العالم الإسلامي، تهفو إليها قلوب المسلمين جميعًا من شتى بقاع الأرض وبها المقدسات الإسلامية: المسجد الحرام والكعبة المشرفة ومنى ومزدلفة وعرفات, خصها الله بالتكريم عبر مختلف العصور، وأقسم بها في كتابه في قوله تعالى:"لا أقسمُ بهذا البلد وأنت حِل بهذا البلد ووالدٍ وما ولد"[البلد ١-٣] ، وهي مسقط رأس الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ومبعثه، بها نزل الوحي الأمين، ومنها انتشر نور الحق يبدد دياجير الكفر في كل مكان, ويقصدها ملايين الحجاج كل عام لأداء فريضة الحج، فضلاً عن الزوار والمعتمرين من مختلف أرجاء العالم الإسلامي, وفي أرض مكة وبطاحها كان جهاد المسلمين الأوائل في مواجهة الشرك والضلال وعبادة الأصنام, وعلى أرضها كان تحقيق وعد الله لرسوله وللمؤمنين يوم دخلوها في العام الثامن للهجرة ظافرين منتصرين. وقد ارتبط ظهور مكة تاريخيًا بوظيفتها الدينية، وازداد نفوذها تدريجيًا؛ فأصبحت مركزًا للمعمورة المحيطة بها ومحطة تجارية بين الشمال والجنوب, وأشار المؤرخ اليوناني (بطليموس) إليها في القرن الثاني الميلادي باسم (ماركوابا) أي بيت الرب, وهي إشارة لها دلالتها، خاصة عندما نعلم أن الكتب المعتبرة عند الكنيسة قد ذكرتها تحت اسم بكة (Baca) بصفتها بيت الله في وادي جاف موضع الحجيج، حيث البئر ليشربوا والجبل ليتعبدوا، وهو ما يوافق علاماتها حتى اليوم, وهو نفس الاسم المذكور في القرآن الكريم في قوله تعالى:"إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَالَمِينَ"[آل عمران:٩٦] . ويحيط بمكة من جهات ثلاث جبال ذات شعاب أغنت على مر العصور عن بناء سور لحمايتها, ويحتضن مكة وادي إبراهيم الذي ينحصر بين سلسلتي جبال متقاربة من مختلف الجهات, فالسلسلة الشمالية تتألف من جبل الفلق وجبل قعيقعان, والسلسلة الجنوبية تتألف من جبل أبي جديدة غربًا وجبل كُدي جنوبًا، ثم جبل أبي قبيس في الجنوب الشرقي، ثم جبل خندمة.
وترتفع مكة المكرمة عن سطح البحر بأكثر من ٣٠٠م, وتقع عند ملتقى دائرة عرض (٢ َ ٢٢) ° شمالاً مع خط طول (٨ َ ٣٩) ° وملتقى (٢َ١ ٢٨) ° عرضًا مع (٣َ٧ ٥٤) ° من الطول الشرقي، ويعد موقعها هذا من أكثر التكوينات الجيولوجية حصانة؛ نتيجة لوجودها بسلسلة جبلية, وفضلا عن وسطية مكة للمعمورة فإنها تقع وسط جزيرة العرب، ولا يقطعها خط النار، حيث تكون الزلازل أعنف شدة وأكثر عددًا، وإنما يمر بعيدا عنها.