فإذا تم تغسيل الميت وتكفينه وصلِّي عليه شرع حمله واتباعه، وفي ذلك فضل عظيم، قال صلى الله عليه وسلم:"من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين" رواه مسلم (٩٤٤) .
ويسن التعجيل بدفن الميت ولا يشرع تأخيره إلا لحاجة، ويسرع به لما جاء في الحديث:"أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك كان شرا تضعونه عن رقابكم" رواه مسلم.
ثم يدفن الميت، والسنة أن يدفن في مقابر المسلمين، ولم يعهد في سلفنا الأوَّل تخصيص أراضي ضمن الأملاك الخاصة لدفن أفراد العائلة فيها. أما الدفن في مقابر الكفار والمشركين فهو مما ابتلي به بعض المسلمين القاطنين ديار الكفر، وما أحسن قول بعض أهل العلم:(نقل الميت من بلد الكفر إلى بلد الإسلام أولى من دفنه في مقابر الكفار ولو في أرض مخصصة للمسلمين إذا جمعهما سور واحد) .
ويسن لمن يُدخل الميت القبر أن يقول:"بسم الله وعلى ملة رسول الله" الترمذي (١٠٤٦) وابن ماجة (١٥٥٠) وأحمد (٤٧٩٧) وحسنه الترمذي وصححه الألباني.
ويسن وضع الميت في قبره على شقه الأيمن مستقبلاً القبلة، ويفك عقد الكفن من قبل رأسه ورجليه، ولا يكشف وجهه.
ويسن حثو التراب عليه باليد ثلاثا، ثم يهال عليه تراب قبره. ويشرع رفع القبر على الأرض قدر شبر، ولا يرفع أكثر من ذلك إلا لحاجة. ويشرع وضع حصباء على القبر ثم رشه بالماء ليثبت التراب. ويجوز وضع النصائب على القبر لتعليمه، ولا يجوز تخصيصها ولا الكتابة عليها ولا البناء، لحديث جابر -رضي الله عنه-: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تخصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ". رواه مسلم (٩٧٠) .
فإذا فرغ من دفنه سن الانتظار قليلا والدعاء له وسؤال الله له التثبيت، لحديث عثمان -رضي الله عنه- قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل"، رواه أبو داود (٣٢٢١) .
كل ما سبق مما دلت عليه نصوص السنة، وهو مشروع باتفاق العلماء. وما عدا ذلك من أعمال مثل الاجتماع لتلاوة القرآن على الميت قبل دفنه، أو بعده، والدعاء له جماعة بعد الدفن، وإلقاء كلمة تأبين كما تسمى، والبناء على القبر، والكتابة عليه، أو إسراجه، وإحضار من يقرأ القرآن ثلاثة أيام أو سبعة، وغيرها كثير جدا ... فهو دائر بين ما اتفق العلماء على منعه كالبناء على القبور والإسراج، وبين مختلف فيه، وليس لمن قال بالجواز دليل يعتمد عليه، وهذه من أمور العبادة، والأصل فيها التوقيف، ومن أحضر دليلا على جواز فعل من الأفعال، فالسنة حاكمة والكل لها تابع. والله أعلم.