ثالثاً: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعاناً لقوله: "كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ... " أخرجه البخاري (٧٤٨١) ، وفي لفظ: "كالسلسلة على صفوان ينفذهم ذلك" أخرجه البخاري (٤٧٠١) ، وفي لفظ "إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا.. " أخرجه أبو داود (٤٧٣٨) .
ومعنى قوله: "كأنه" أي صوت القول في وقعه على قلوبهم، حين سماعه. وقوله: "صفوان" هو الحجر الأملس الصلب، والسلسلة عليه يكون لها صوت عظيم. والجواب عن ذلك بثلاثة وجوه:
الأول: - كما سبق- أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله وكلام رسوله – صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الكل حق من عند الله –تعالى- فإن استطعت الجمع فافعل، وإلا فرد المتشابه إلى المحكم؛ حتى يبقى النص كله محكماً، "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
الثاني: أن الحديث ليس فيه تشبيه لصوت الله –تعالى- بصوت السلسلة على صفوان، وإنما فيه تشبيه سماع الملائكة لصوت الله –تعالى- بسماع من يسمع سلسلة على صفوان. أو يقال: إن المراد تشبيه ما يحصل للملائكة من الفزع عندما يسمعون كلام الله –تعالى- بفزع من يسمع سلسلة على صفوان. إذاً ليس في الحديث تشبيه الصوت بالصوت، وإنما فيه تشبيه السماع بالسماع، والفزع بالفزع، والوقع بالوقع، ولذلك أعقبه بقوله: "ينفذهم ذلك" أي أن الصوت يبلغ منهم كل مبلغ. فإن أبى أحدٌ وأصر زاعماً أن في الحديث تشبيهاً للصوت بالصوت، قلنا: إن هذا لا يفهم من الحديث، لكن حتى وإن سلمنا بذلك، فلا يلزم منه أن يكون مماثلاً له من كل وجه، كما سبق وأن بيناه في حديث الزمرة الأولى من أهل الجنة؛ لأن الله – سبحانه- "ليس كمثله شيء" أبداً، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وهذا هو الوجه الثالث.