فهو لغة: الرفع والإزالة ومنه: نسخت الشمس الظل أي أزالته، ونسخ الكتاب أي رفع منه إلى غيره.
واصطلاحاً: رفع حكم دليل شرعي متقدم أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة متأخر عنه.
والمراد بقوله: (رفع الحكم) : تغييره من إيجاب إلى إباحة أو من إباحة إلى تحريم..
والمراد بقوله: (أو لفظه) لفظ الدليل؛ لأن النسخ قد يكون للحكم دون اللفظ، وقد يكون للفظ دون الحكم، وقد يكون لهما جميعاً.
والمقصود بقوله: (بدليل من الكتاب والسنة) إخراج ما عداهما كالإجماع والقياس.
والمتقدم يسمى منسوخاً والمتأخر يسمى ناسخاً.
والنسخ واقع في الشرع كتاباً وسنة. قال تعالى: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ منْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [البقرة:١٠٦] .
حيث يشرع الله حكمًا مؤقتاً بوقت محدد في علم الله، ثم عند انقضائه ينسخه -سبحانه-؛ إما بحكم جديد؛ وإما إلى غير بدل، ولله الحكمة البالغة.
وقد ألف العلماء في الناسخ والمنسوخ كتباً عديدة سواء في القرآن أو في السنة، وبعضها مطبوع متداول.
أما الفرق بين النسخ والبداء:
فهو أن النسخ ليس مسبوقاً بالجهل، ولا هو من لوازمه، بل علم الله سابق على النسخ، والله عالم بما يشرع من أحكام، حتى إذا انقضت المدة التي جعلها الله لذلك الحكم نسخه بما سبق في علمه أنه سيكون.
أما البداء فإنه يستلزم سبق الجهل، وهذا مناف لكمال الله -تعالى- فلا يجوز القول بما يؤدي إلى نفي كمال الله أو إثبات نقص في حقه -سبحانه وتعالى-.
والعجب من اليهود -إذ تحكي عنهم كتب الأصول - أنهم لا يقولون بالنسخ، مع أنهم-كما سبق - يقولون بالبداء.
وسبب إنكارهم للنسخ حتى لا يلزمهم الاعتراف بنسخ شريعة عيسى لما جاء به موسى -عليهما السلام-، وبالتالي إنكار نسخ شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم - لدينهم.
أما السؤال الثاني:
وهو قوله: (لماذا يحرم الاعتقاد بعقيدة البداء؟ وما حكمها؟ ولماذا لا يعتبر حديث تحويل الصلاة من خمسين صلاة لخمس صلوات تناقضا مع عقيدتنا في البداء؟)
أما قوله: (لماذا يحرم الاعتقاد بعقيدة البداء؟) فلما تقدم من استلزام ذلك سبق الجهل في حق الله، وذلك محال في حقه -تعالى-، كما سبق بيانه.
وأما قوله: (وما حكمها؟) فقد أجاب السائل بنفسه وهو التحريم، بل إنها كفر بالله والكفر بالله أكبر المحرمات.
وأما قوله: (ولماذا لا يعتبر حديث تحويل الصلاة من خمسين صلاة لخمس صلوات تناقضًا مع عقيدتنا في البداء؟)
فنقول: بعد أن عرفت معنى البداء، وأنه لا يجوز القول به في حق الله -تعالى-، فإن ما حدث ليلة الإسراء بخصوص فرضية الصلاة ليس من قبيل البداء، والذي هو بمعنى (بدا لله بعد أن فرض الصلوات خمسين أن يخففها حتى صارت خمساً) ، ولا يعد ذلك تناقضاً مع اعتقادنا بحرمة البداء على الله، وإنما ذلك من قبيل النسخ، والتدرج في التشريع، وذلك جائز وواقع، وكله وفق علم الله -تعالى-، والله أعلم وأحكم.