للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند المتصوفة إشكال رئيسي يتمثل في الأدلة التي يستندون إليها وطرق الاستدلال، وهذا السؤال من أوضح الأدلة على ذلك، فما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء كان خاصًّا به، وهو أمر خارق للعادة، وليس فيه استدلال على ما ذهب إليه هؤلاء، ولو كان فهمهم هذا صحيحًا لوجدنا واحدًا من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم بإحسان استند عليه، لاسيما وهم أشد حبًّا للنبي صلى الله عليه وسلم منا، وأكثر شوقًا إليه، وإذا نظرنا إلى ما نقل عنهم بسند صحيح وجدنا أنهم أشد الناس حفاظًا على حمى التوحيد وحرصًا على صفائه من أية شائبة، ولذلك لم ينقل عنهم في التعلق بالقبور أو المقبورين أي نص يمكن الاعتماد عليه، بل النقول عنهم على عكس ذلك، وكيف لا وهم أنجب تلاميذ مدرسة النبوة، وهم الذين علموا أن الإسلام ما جاء إلا لمحاربة الخرافة والغيبيات الفاسدة، وتعليق القلوب بالله وحده دون سواه. ولو كان هذا الاستدلال بقصة موسى صحيحًا لصح الاستدلال بأية قضية غيبية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل سؤال النبي صلى الله عليه وسلم، لجبريل، وطلبه منه واستفتاح جبريل له أبواب السماوات ونحو ذلك من الأمور التي عملها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، لكان أولى أن يدعى جبريل ويطلب منه لأنه حي موجود ولديه قدرات عظيمة، فالأنبياء بما فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: ١٨٨] . وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو أمر لأمته أن يتوجهوا بالدعاء له وحده دون سواه فقال: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ) [يونس: ١٠٦] . وكل أحد غير الله لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، وهذا من محكمات الدين، قال تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ) . وقال سبحانه: (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) [الشعراء: ٢١٣] . وقال: (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص: ٨٨] . والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>