وبذلك لا يصحّ هذا الخبر من هذا الوجه إلا عن عكرمة مولى ابن عباس موقوفاً عليه.
الثانية: رواية ابن عباس عن النبي –صلى الله عليه وسلم- مرفوعة:
أخرجها ابن مردويه في تفسيره، ومن طريقة الضياء في المختارة (١٠/١١٣-١١٤) (١١١) ، قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم: حدثنا محمد بن الفضل بن موسى: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي: حدثني أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن نبيَّ الله –صلى الله عليه وسلم- قال: إن بني إسرائيل سألوا موسى –عليه السلام- هل ينام ربُّك؟ ... "الحديث.
فمحمد بن عبد الله بن إبراهيم هو أبو بكر الشافعي صاحب الفوائد الشهيرة بالغيلانيات (ت٣٥٤هـ) ، وهو أحد الحفَّاظ المتقنين.
ومحمد بن الفضل بن موسى الرازي القُسْطاني (توفي بين ٢٨١هـ و٢٩٠هـ) ، قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق. الجرح والتعديل (٨/٦٠) وانظر له: تاريخ بغداد للخطيب (٣/١٥٢-١٥٣) ، وتاريخ الإسلام للذهبي (٦/٨٢١) .
وأحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن عثمان الدَّشتكي، هو وأبوه، وجدّه من رجال التهذيب، وكلّهم مقبول، وأقلّهم هو الجدّ: عبد الله بن سعد بن عثمان، فمع أن الحافظ قال عنه: "صدوق"، إلا أنه لم يذكر عنه في التهذيب، إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات، وأنه من رجال أبي داود والترمذي والنسائي، ويضاف إليهم أنه أخرج له أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم، كما في إتحاف المهرة لابن حجر (٢/٥٥٤رقم ٢٢٣٦) ، وهذا يرفع (مع ما سبق) من شأنه.
وأشعث بن إسحاق بن سعد القُمي: صدوق مقبول الرواية.
وجعفر بن أبي مغيرة دينار الخزاعي القُمي: صدوق مقبول الرواية، لكنه ليس من أقوى الرواة عن سعيد بن جبير، حتى قال ابن منده في الردّ على الجهمية (١٥) : "ليس بالقوي في سعيد بن جبير"، ومع أن الإمام أحمد هو أجل، وعبارته أجل عبارة في توثيقه، إلا أنه قدَّم أسلم المنقري عليه، وقال في هذا السياق: "جعفر ليس بالمشهور" العلل (٥٢٥٦) ، وهو يعني أنه ليس بتامّ الشهرة؛ وكذلك ابن منده: إنما يعني (فيما يظهر) أنه ليس بأقوى ما يكون في سعيد بن جبير.
قلت: فهذا إسنادٌ ظاهره الحُسن عن ابن عباس –رضي الله عنهما- لكن له علّة، فقد خولف بوجهين:
الأول: أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (٢٥٨٠) ، قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي ... بالحديث، لكنه جعله موقوفاً على ابن عباس، ليس مرفوعاً إلى النبيّ –صلى الله عليه وسلم-
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (١٣٨) ، عن ابن أبي حاتم بمثله تماماً.
وأحمد بن القاسم بن عطية الرازي أبو بكر: حافظ، وثقه ابن أبي حاتم. الجرح والتعديل (٢/٦٧-٦٨) ، وتاريخ الإسلام للذهبي (٦/٢٧٥) .
فخالف أحمد بن القاسم: محمد بن الفضل بن موسى، في شيخهما أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، فالأول رواه موقوفاً، والثاني رواه عنه مرفوعاً.
فإن لم تكن الرواية الموقوفة هي الأشبه بالصواب، فلن تكون المرفوعة إلا مساويةً لها، وعليه لا يُحكم للرفع على الوقف.
وقد رجّح ابن كثير في تفسيره الرواية الموقوفة.
الوجه الثاني من المخالفة: يجعل الحديث موقوفاً على سعيد بن جبير، ليس فيه ذكر ابن عباس أصلاً.