وقال ابن كثير: وقال بعضهم: إن للحسنة نورًا في القلب، وضياءً في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس. وقال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: "ما أسرَّ أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه".
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله -عز وجل- ظاهره للناس، كما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته" ... فالصحابة -رضي الله عنهم- خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم ...
وقال السعدي: أي قد أثرت العبادة من كثرتها وحسنها في وجوههم حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم استنارت بالجلال ظواهرهم.
وقدبيَّن شيخ الإسلام في الجواب الصحيح (٦/٤٨٦) أن ما يقوم بالقلب من تصديق وحب الله ورسوله وتعظيم لابد أن يظهر على الجوارح، وكذلك بالعكس؛ ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن، كما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب" ...
وذكر: أن وصف الوجوه بالعلامة موجود في القرآن، كقوله: "سيماهم في وجوههم"، وقوله: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم" [محمد:٣٠] ، وقوله: "تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا" [الحج:٧٢] .
وأن معرفة المنافقين بالسيما معلقة بمشيئة الله، وأما معرفتهم بلحن القول فمحققة حيث قال تعالى: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول" [محمد:٣٠] ، وقال ف حق المؤمنين: "سيماهم في وجوههم من أثر السجود"، وقال في حق الكافر: "عتل بعد ذلك زنيم" [القلم:١٣] ، أي: له زنمة من الشر، أي: علامة يعرف بها.
وأن الرجل الصادق البار يظهر على وجهه من نور صدقه وبهجة وجهه سيما يعرف بها، وكذلك الكاذب الفاجر، وكلما طال عمر الإنسان ظهر هذا الأثر فيه، حتى إن الرجل يكون في صغره جميل الوجه، فإذا كان من أهل الفجور مصرًّا على ذلك يظهر عليه في آخر عمره من قبح الوجه ما أثره باطنه وبالعكس ...
وقد يكون الرجل ممن لا يتعمد الكذب، لكن يعتقد اعتقادات باطلة كاذبة في الله أو في رسله أو في دينه أو عباده الصالحين، وتكون له زهادة وعبادة واجتهاد في ذلك، فيؤثر ذلك الكذب الذي ظنه صدقا وتوابعه في باطنه، ويظهر ذلك على وجهه، فيعلوه من القترة والسواد ما يناسب حاله، كما قال بعض السلف: "لو ادهن صاحب البدعة كل يوم بدهان إن سواد البدعة لفي وجهه".
وهذه الأمور تظهر يوم القيامة ظهورًا تامًّا، قال تعالى: "ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون" [الزمر:٦٠-٦١] .