للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أورد علماء التفسير روايات عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أول من سكن الأرض هم الجن، فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة، فقتلهم إبليس حتى ألجأهم إلى جزائر البحر، وأطراف الجبال، ثم خلق آدم فأسكنه الأرض، فذلك قوله -تعالى-: "إني جاعل في الأرض خليفة" [البقرة:٣٠] فالخليفة من الجن، ونقلوا أيضاً روايات أخرى عن بعض التابعين في هذا المعنى رواها الإمامان الطبري والبغوي - رحمهما الله تعالى- وقد نقل هذه الروايات الحافظ ابن كثير - رحمه الله- وضعفها، وظاهر الآيات الكريمة في سورة البقرة: يفهم منه أن الله -تعالى- قضت إرادته أن يجعل آدم وذريته خلفاء الأرض، ليعمروها بالعبادة والطاعة، ولا يشترط لذلك أن يكون خليفة عن الجن ولا عن غيرهم، قال الإمام البغوي -رحمه الله-: والصحيح أنه خليفة الله في أرضه لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه، والجن مكلفون كالإنس، وكل صنف من مخلوقات الله -تعالى- له خصائص ومميزات، ووظائف قد تختلف عما للصنف الآخر، ولا أظن أن الدليل قوي في قضية اختلاف التفكير، والقدرة على التعمير؛ لأن القضية تندرج ضمن عالم الغيب، كما أن ما جاء عن الجن الذين سخرهم الله -تعالى- لنبيه سليمان - عليه السلام- يعملون له ما يشاء، وما جاء عن قدرة العفريت من الجن على إحضار عرش بلقيس، وغير ذلك، يدل على أن لهم نوعاً من القدرة على العمل الحضاري والإبداع المادي، وإن كان يختلف عما عند الإنسان، وأوثر ألا ندخل في قضايا الأمور الغيبية والتي لا دليل لنا من النص عليها، وألا نتكلف ما لا علم لنا به، وما لا طائل من البحث فيه، وما لا يترتب عليه حكم تكليفي. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحب وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>