الثاني: أن يكون ما قاله ذلك العالم أو قضى به القاضي وفق النصوص الشرعية، فلا يجوز منعه، وإن خرج عن أقوال الأئمة الأربعة؛ فإن أقوال الأئمة كالفقهاء الأربعة وغيرهم ليست حجة لازمة، ولا إجماعاً باتفاق المسلمين؛ بل قد ثبت عنهم أنهم نهوا الناس عن تقليدهم وأمروهم إذا رأوا قولاً في الكتاب والسنة أقوى من قولهم أن يأخذوا بما يدل عليه الكتاب والسنة ويدعوا أقوالهم؛ وغيرهم أولى بترك قوله إذا جانبه الدليل، لأن الأئمة الأربعة قد حازوا مرتبة الاجتهاد المطلق، ومع ذلك ساغت مخالفتهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن المفتي يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة:"ولو قضى أو أفتى بقول سائغ يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة في مسائل الأيمان والطلاق وغيرهما مما ثبت فيه النزاع بين علماء المسلمين ولم يخالف كتابا ولا سنة ولا معنى ذلك، بل كان القاضي به والمفتي به يستدل عليه بالأدلة الشرعية كالاستدلال بالكتاب والسنة، فإن هذا يسوغ له أن يحكم به ويفتي به، ولا يجوز باتفاق الأئمة الأربعة نقض حكمه ولا منعه من الحكم به ولا من الفتيا به ولا منع أحد من تقليده، ومن قال: إنه يسوغ المنع من ذلك فقد خالف إجماع الأئمة الأربعة بل خالف إجماع المسلمين مع مخالفته لله ورسوله فإن الله تعالى يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:٥٩] ، فأمر الله المؤمنين بالرد فيما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، وهو الرد إلى الكتاب والسنة، فمن قال: إنه ليس لأحد أن يرد ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة؛ بل على المسلمين اتباع قولنا دون القول الآخر من غير أن يقيم دليلا شرعيا كالاستدلال بالكتاب والسنة على صحة قوله فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين وتجب استتابة مثل هذا وعقوبته كما يعاقب أمثاله" [مجموع الفتاوى (٣٣/١٣٣-١٣٤) ] .