قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "والله سبحانه ذكر الطلاق ولم يعين له لفظاً، فعلم أنه رد الناس إلى ما يتعارفونه، فأي لفظ جرى عرفهم به وقع به الطلاق مع النية، والألفاظ لا تراد لعينها بل للدلالة على مقاصد لافظها، فإذا تكلم بلفظ دال على معنى وقصد به ذلك المعنى ترتب عليه حكمه، ولهذا يقع الطلاق من العجمي والتركي والهندي بألسنتهم، بل لو طلق أحدهم بصريح الطلاق بالعربية ولم يفهم معناه لم يقع به شيء قطعاً، فإنه تكلم بما لا يفهم معناه ولا قصده.. وتقسيم الألفاظ إلى صريح وكناية وإن كان تقسيماً صحيحاً في أصل الوضع لكن يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، فليس حكماً ثابتاً للفظ لذاته، فرب لفظ صريح عند قوم كناية عند آخرين، أو صريح في زمان أو مكان كناية في غير ذلك الزمان والمكان، والواقع شاهد بذلك فهذا لفظ (السَّراح) لا يكاد أحد يستعمله في الطلاق صريحاً ولا كناية، فلا يسوغ أن يقال: إن من تكلم به لزمه طلاق امرأته نواه أولم ينوه ويدعى أنه ثبت له عرف الشرع والاستعمال، فإن هذه دعوى باطلة شرعاً واستعمالاً، أما الاستعمال فلا يكاد أحد يطلق به البتة، وأما الشرع فقد استعمله في غير الطلاق، كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا" [الأحزاب:٤٩] ، فهذا السراح غير الطلاق قطعاً، وكذلك (الفراق) استعمله الشرع في غير الطلاق، كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ" إلى قوله "فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" [الطلاق:٢] ، فالإمساك هنا الرجعة والمفارقة ترك الرجعة لا طلقة ثانية، هذا مما لا خلاف فيه البتة، فلا يجوز أن يقال: إن من تكلم به طلقت زوجته فهم معناه أو لم يفهم، وكلاهما في البطلان سواء. وبالله التوفيق" ا. هـ زاد المعاد (٥/٣٢٠-٣٢٢) . والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.