ويصح التمثيل بالمطر بلفظ (الإنزال) تجسيداً للنعمة؛ لأن نزوله هو أول مشهد متبادر لفعل الإنزال يبش له العربي الأول، ويشعره بالامتنان، ويجسد له رحمة الله تعالى, وهم محتاجون للأنعام تماما كاحتياج الأرض العطشى للمطر, واستبدال فعل (الإنزال) بأفعال (الخلق) و (الجعل) و (الإمداد) في بيان سبق التهيئة بالأنعام قرينة جلية تصرفه عن الظاهر الحسي إلى معنى الإيجاد؛ كما في قوله تعالى:"أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا خَلَقْنَا لَهُم مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ"[يس: ٧١] , وقوله تعالى:"اللهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ"[غافر: ٧٩] , وقوله تعالى:"أَمَدّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ"[الشعراء: ١٣٣] , وتسمى الكوارث نوازل، وتوصف الأحداث تصويرًا بالوقوع والمجيء والإتيان، ولا يعني شيء من ذلك بالضرورة هبوطها من السماء.
قال البغوي:" (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) معنى الإنزال هاهنا الإحداث والإنشاء، كقوله تعالى (أنزلنا عليكم لباسا) " [تفسير البغوي (ج٤ص٧٢) ] .
وقال السمعاني:"أي وخلق لكم من الأنعام.., وهو مثل قوله تعالى (أنزلنا عليكم لباسا) أي خلقنا" [تفسير السمعاني (ج٤ص٤٥٨) ] .
وقال الكلبي:"وأما (أنزل) ففيه ثلاثة أوجه الأول:.. خلق, الثاني:.. قضى,.. الثالث أنه أنزل المطر الذي ينبت به النبات، فتعيش منه هذه الأنعام، فعبر بإنزالها عن إنزال أرزاقها وهذا بعيد" [التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي (ج٣ص١٩١) ] .