فلا يمكننا الحكم على المعيّن إلا بدليل من الشرع، ولكن نرجو لمن أظهر الإحسان والطاعة أن يكون قد رضي الله عنه، ونخاف على من أظهر الإساءة والمعصية أن يكون الله قد سخط عليه، علماً بأن العمل وحده لا يكفي لنيل رضا الله ما لم يقترن بالإيمان بالله والإخلاص له، قال تعالى عن أعمال الكفار: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا" [سورة الفرقان:٢٣] .
وعندما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن أحد المشركين الذين ماتوا على الكفر ممن كانت له أعمال بر وأياد بيضاء في إغاثة الملهوفين والمساكين ونحوها: هل ينفعه ذلك؟ فقال: "لا ينفعه إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين". أخرجه مسلم (٢١٤) .
فلا ينبغي للإنسان أن يغتر بعمله، ويظن أن الله قد رضي عنه وتقبل منه، فإنما الأعمال بالخواتيم، وقد كان السلف يخافون من عدم رضا الله عنهم وقبوله لأعمالهم، حتى قال بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني لتمنيت أن أموت؛ لأن الله يقول: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"، [سورة المائدة:٢٧] .
وفي المقابل لا ينبغي للإنسان أن يتألى على الله، ويحكم على معين بأن الله ساخط عليه، أو أن الله لن يغفر له.
ومن المقطوع به في عقائد أهل السنة أن الأنبياء جميعاً في الجنة، ولا يدخل الجنة أصلاً إلا من قد رضي الله عنه، وأحل عليه رضوانه، والأنبياء في الذروة من هؤلاء فهم صفوة الله من خلقة اصطفاهم ربهم على العالمين وشرفهم بحمل النبوة، فهم أعلى الناس منزلة وقدراً، وقد جاء في الحديث: (إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة؟ فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبد) رواه البخاري (٦٠٦٧) .
وقد أثنى الله على عباده الأنبياء في كتابه عموماً وخصوصاً، وأنهم أعلى درجات الذين أنعم الله عليهم،
وأمر بالاقتداء بهديهم (فبهداهم اقتده) وقال عقب ذكره لعدد منهم: (كل من الأخيار) واصطفاهم على الناس، ومفهوم ذلك كله أن الله سبحانه راضٍ عنهم.
وممن ورد الدليل الشرعي بأن الله قد رضي عنهم الصحابة، قال تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، [سورة التوبة:١٠٠] .
وكذلك أهل بيعة الرضوان من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة في الحديبية - على وجه الخصوص - قال تعالى: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا"، [سورة الفتح:١٨] .
ومن المعينين الذين سخط الله عليهم إبليس، وفرعون، وهامان، وقارون، وأبو لهب..
نعوذ بالله من أسباب سخطه، ونسأله التوفيق لنيل رضاه، والله الموفق.