للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: أن يعلن الإذعان للجماعة المؤمنة، المتمثلة بصورة دولة ذات سيادة وسلطان، مع احتفاظه بمعتقداته، وشعائره السابقة، وفق ما تقره تلك الدولة من تنظيمات، وما تمنحه له من حقوق، وما تفرض عليه من واجبات، تماماً كما تفعل كثير من الدول المتقدمة الآن، حين تسن أنظمة وقوانين تتعلق بالمهاجرين واللاجئين، المقيمين على أراضيها، تجعلهم في مرتبة أدنى من مواطنيها الأصليين.

والفرق بين الصورتين أن الدولة العلمانية الحديثة تمارس هذا التمييز على أسس أرضية، والدولة الإسلامية تفعل ذلك بناءً على أسس موضوعية، دون تمييز على أساس الأرض، أو اللون، أو العرق.

وعلى ضوء ما مضى يتبين المراد بقول الله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" [البقرة: من الآية:٢٥٦] أي لا تكرهوا أحداً على اعتناق الإسلام، فإن علامات صحته ورشده واضحة جلية، لمن كان صادقاً مخلصاً في البحث عن الحقيقة، وأما من دخله مكرهاً فإنه لا يستفيد من اعتناقه، ولا يتخلص به من الغي. وحينئذ، فعليه أن يذعن لنظام الإسلام، إن كان له دولة وسلطان. وليس المقصود ما قد يفهمه بعض الناس من أن الآية تقرر الحرية المطلقة في الدين والتنقل بين الأديان، دون أن يترتب على ذلك أدنى تبعة، فإن هذا لم يقل به أحد من علماء الإسلام.

وأما قوله تعالى: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" [الكهف: من الآية٢٩] فليست للتخيير المجرد، كما قد يفهمه بعض الناس! وإنما جاءت في سياق التهديد والوعيد لمن شاء أن يكفر، ولهذا ختمها بقوله: "إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً" [الكهف: من الآية٢٩] .

وبناء على ما تقدم، فإن قتل المرتد عقوبة على جريمة كبيرة، أشد في نظر الإسلام من جريمة (الخيانة العظمى) التي تعاقب عليها الدول بالقتل، جراء إفشاء أسرار الدولة، أو التعاون مع عدو خارجي، أو السعي لقلب نظام الحكم، أو ما دون ذلك مما تسنه بعض النظم الوضعية. فالردة كفر مضاعف، والكافر المرتد أعظم جرماً من الكافر الأصلي، لأنه خان خيانة عظمى، ووقع في ظلم عظيم. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>