علق الإمام ابن تيمية على هذا الكلام، مفسراً كلمة الإمام أحمد، فقال:
(يعنى أن ما تنازع فيه عليٌّ وإخوانه لا أدخل بينهم فيه؛ لما بينهم من الاجتهاد والتأويل الذي هم أعلم به مني، وليس ذلك من مسائل العلم التي تعنيني حتى أعرف حقيقةَ حالِ كل واحد منهم، وأنا مأمور بالاستغفار لهم، وأن يكون قلبي لهم سليماً، ومأمور بمحبتهم وموالاتهم، فلهم من السوابق والفضائل ما لا يهدر)[ينظر مجموع الفتاوى ٤/٤٤٠] .
فهذان موقفان يريحان قلب المسلم، ويسلم له دينه، ويمثلان منهجاً وسطاً في التعامل مع هذه المسائل الكبار، والتي الخلل فيها -سببٌ من أسباب الضلال والانحراف في الاعتقاد- كما هو ظاهر في التاريخ، بل والواقع-.
الثاني: مما أختم به جوابي -أن هذه الفتنة- التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقعت ومضت بما فيها "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" فليس من العقل ولا من الشرع أن نختصر ديننا وعقيدتنا، وفهمنا للشريعة في هذه الفتنة العمياء! بل علينا أن نقرأها في سياقها التاريخي الذي يعين على فهم ملابساتها وأسبابها، وأن ننزلها منزلتها اللائقة بها، والتماس العذر فيها لمن أخطأ، فإن الفتنة إذا وقعت عمي أكثر الناس عن فهمها، وإذا أدبرت أدركها كل أحد، وأن نتجاوزها لنقف كثيراً عند السيرة المعصومة -التي أمرنا بالاقتداء بها، والتأسي بها -سيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) ، فهي السيرة الخطية التي ستجد فيها الترجمة الحقيقية لهذا الدين: تحقيقاً للتوحيد، وعناية ببقية الأركان، ونصاعة في الأخلاق، وعظمة في حسن المعاملة، وأن نحاول التأسي بها، وأن نطبقها عملياً في حياتنا قدر الإمكان، فذلك -والله- خير وأبقى.
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شرور أنفسنا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم".
وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.