للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢. ثم إن هذا الكلام المذكور ليس دعاءً ولا استعاذة بأسماء الله تعالى وصفاته، وإنما هو من السجع المتكلف الذي هو أقرب إلى سجع الكهان، وليس له معنى ظاهراً يحكم عليه من خلاله، فما معنى حابس ومن هو هذا الحابس؟ وما المقصود بالحجر اليابس؟ وما علاقة الحجر اليابس والشهاب القابس بالرقية من العين؟

٣. ثم إن في العمل بهذه الرقية عدول عما دلنا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كلام غير ظاهر المعنى والمراد، وغير معروف المصدر كما تقدم، وهذا لا يجوز.

٤. ثم إن في هذا الكلام المسجوع عدة مخالفات شرعية منها:

أ. ما ورد فيه من قوله: "رددت عين العائن عليه، وعلى أقرب الناس إليه"، والسؤال ما ذنب أقرب الناس إليه؟ وقد بين لنا القرآن الكريم أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى" و "وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى".

ب. أن فيه استشهاد بالآية في غير ما سيقت إليه ومن غير مناسبة، وليس البصر المذكور في الآية هو بصر العائن كما هو ظاهر وجه الاستدلال.

٥. ثم إن في صحة نسبة هذا الكلام إلى أبي عبد الله السياجي نظراً وذلك من وجوه:

أ. أنه لم يذكر هذا القول بإسناد يمكن أن يحكم عليه من خلاله، ويتثبت من صحته إليه.

ب. أنه يذكر في كتب التواريخ والسير والتراجم من القصص والحكايات ما لا يصح نسبته إلى قائلها، وخاصة فيما يتعلق بالكرامات والأمور الخارقة للعادة، ولا يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هذه الحكايات التي لا زمام لها ولا فطام، ونترك ما ثبت عندنا من قول المعصوم - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

ج. أنه لو ثبت ذلك - وهيهات أن يثبت - فلا تجوز لنا متابعته عليه، وإنما المتابعة للمعصوم - صلى الله عليه وسلم - كما ذكر آنفاً.

٦. نعم قد روى أبو يعلى في مسنده (٩/١٧٧) وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (٥١٠) والطبراني في الكبير (١٠/٢٦٧ رقم (١٠٥١٨) حديثاً مفاده ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فلينادي يا عباد الله احبسوا، فإن لله حاضراً سيحبسه" فهذا الحديث مع أنه ليس موضوعنا صراحة إلا أنه لا يصح أيضاً؛ لأن فيه معروف بن حسان وهو منكر الحديث كما قال الذهبي في الميزان (٤/١٤٣) ، وأعله الحافظ ابن حجر في الفتوحات الربانية (٥/١٥٠) بالانقطاع، وفيه سعيد بن أبي عروبة مختلط ومدلس، وقد ضَّعف الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠/١٣٢) والبوصيري كما في الإتحاف بذيل المطالب العالية (٣/٢٣٩ رقم ٣٣٧٥) ومن المعاصرين الألباني في الضعيفة رقم (٦٥٥) .

وأما دعوى أنه قد تعتبر هذه الرقية شركاً، فهذا على اعتبار أن الحابس من الجن، وأن هذا دعاء له واستعانة من دون الله تعالى، فهذا لا يكون إلا بالجن والاستعانة بالجن في مثل هذا الأمر هو ضرب من ضروب الشرك.

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>