للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخواني الأساتذة الفضلاء أعضاء المجمع الفقهي.... إني أخالف ما ذهبتم إليه من اعتبار التأمين الذي أسميتموه تجاريًّا بمختلف أنواعه وصوره حرامًا، وميزتم بينه وبين ما أسميتموه تعاونيًّا، وأرى أن التأمين من حيث إنه طريق تعاوني منظم لترميم الأضرار التي تقع على رؤوس أصحابها من المخاطر التي يتعرضون لها، هو في ذاته جائز شرعًا بجميع صوره الثلاث وهي: التأمين على الأشياء، والتأمين من المسئولية المسمى (تأمين ضد الغير) ، والتأمين المسمى- خطأً- بالتأمين على الحياة. وإن أدلتي الشرعية من الكتاب العزيز والسنة النبوية، وقواعد الشريعة ومقاصدها العامة، والشواهد الفقهية، بالقياس السليم عليها، ودفع توهم أنه يدخل في نطاق القمار أو الرهان المحرَّمَين، ودفع شبهة أنه ربا، كل ذلك موضح تمام الإيضاح في كتابي المنشور بعنوان (عقد التأمين، وموقف الشريعة الإسلامية منه) وأنتم مطلعون عليه، مع بيان حاجة الناس في العالم كله إليه. وقد بينت لكم في هذه الجلسة أيضًا، أن التمييز بين تأمين تعاوني وتجاري لا سند له، فكل التأمين قائم على فكرة التعاون على تفتيت الأضرار وترميمها، ونقلها عن رأس المصاب، وتوزيعها على أكبر عدد ممكن، بين عدد قليل من الأشخاص الذين تجمعهم حرفة صغيرة، أو سوق، ويتعرضون لنوع من الأخطار فيساهمون في تكوين صندوق مشترك، حتى إذا أصاب أحدهم الخطر والضرر، عوَّضوه عنه من الصندوق الذي هو أيضًا مساهم فيه، هذا النوع الذي يسمى في الاصطلاح تبادليًّا وسميتموه (تعاونيًّا) لا تحتاج إدارته إلى متفرغين لها، ولا إلى نفقات إدارة وتنظيم وحساب ... إلخ. فإذا كثرت الرغبات في التأمين، وأصبح يدخل فيه الألوف، عشراتها أو مئاتها أو آلافها من الراغبين، وأصبح يتناول عددًا كبيرًا من أنواع الأخطار المختلفة، فإنه عندئذ يحتاج إلى إدارة متفرغة، وتنظيم ونفقات كبيرة، من أجور محلات وموظفين ووسائل آلية وغير آلية ... إلخ. وعندئذ لابد لمن يتفرغون لإدارته وتنظيمه من أن يعيشوا على حساب هذه الإدارة الواسعة، كما يعيش أي تاجر أو صانع أو محترف أو موظف على حساب عمله. وعندئذ لابد من أن يوجد فرق بين الأقساط التي تجبى من المستأمنين، وبين ما يؤدى من نفقات وتعويضات للمصابين عن أضرارهم، لتربح الإدارة المتفرغة هذا الفرق، وتعيش منه، كما يعيش التاجر من فرق السعر بين ما يشتري ويبيع. ولتحقيق هذا الربح يبنى التأمين الذي أسميتموه تجاريًّا على حساب إحصاء دقيق، لتحديد القسط الذي يجب أن يدفعه المستأمن في أنواع من الأخطار، هذا هو الفرق الحقيقي بين النوعين. أما المعنى التعاوني فلا فرق فيه بينهما أصلاً من حيث الموضوع. كما إني أحب أن أضيف إلى ذلك: أن هذه الدورة الأولى لهذا المجمع الفقهي الميمون، الذي لم يجتمع فيها إلا نصف أعضائه فقط، والباقون تخلفوا أو اعتذروا عن الحضور لظروفهم الخاصة، لا ينبغي أن يتخذ فيها قرار بهذه السرعة، بتحريم موضوع كالتأمين من أكبر الموضوعات المهمة اليوم خطورة وشأنًا، لارتباط مصالح جميع الناس به في جميع أنحاء المعمورة، والدول كلها تفرضه إلزاميًّا في حالات، كالتأمين على السيارات ضد الغير، صيانة لدماء المصابين في حوادث السيارات من أفئدة تذهب هدرًا إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>