وأما الرسالة الثانية فإليك وحدك، إلى قلبك المعني، إلى روحك الخفاقة، إلى شوقك وحبك، اعلم وفقك الله أن الزواج مسؤولية وواجبات وحقوق، وأن المال من أعظم أسباب سعادة الحياة بين الزوجين، وأن العاجز عن تلبية الطلبات هو المهموم وليس زوجه، وأن بيت الزوجية لا يصلح أن يكون خيمة ولا شقة خالية من المهمات والحاجيات، فلذا عليك بالصبر، فخير عيشنا الصبر، كما قال عمر - رضي الله عنه -، وفي الحياة مُنىً لا تدرك، وآمالٌ تحتاج إلى أعمال، فالعاقل من لم تطفى رغائبه على مصالحه، فاصرف النفس وألجم القلب، وأعرض بالبصر، ومن غاب عن البصر فإنه يخف عن القلب خياله، واحرص على نفع نفسك تحقيقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - " احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز ... " رواه مسلم (٢٦٦٤) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فإذا تحسن وضعك فأنت مطلوب لا طالب، ولا بارك الله ولا حيا الله حباً يلفك بالحاجة، ويذل نفسك فتقبل الإحسان والصدقة، ويزاح عنك الواجب من المناسبات؛ لأنك مسكين لا تجد، فالعزة وقوة النفس والترفع عن الاحتياج للآخرين بوابة الرفعة.
أيها الابن الكريم: أعلم أن الذي يرضيك أن أحمل على هذا الأب حملة شعواء وأصفه بالطمع والجشع، وأبين لك أنك ما دمت تحب هذه الفتاة وهي تحبك فهي لك وأنت لها، وأن استمراركما في العلاقة والمكالمة والزيارة والمواعدة كل ذلك جائز وسائغ، ما دام أنكما عازمان على الزواج -وإن كنتما لا تستطيعان ذلك-، وما دام أن الزواج سيكون ولو بعد حين، فاستمرا في علاقتكما ولا تثريب عليكما.
أعلم أن هذا الكلام هو الذي يسرك أن تقرأه جواباً على سؤالك، ولكن ثق يا بني أنك لن تسر به أبداً لو كانت هذه الفتاة أختك، أو ابنتك، ولو قرأته في تلك الحال لغلت الدماء في عروقك، ولقلت إن الولي على الفتاة لم يجعل إلا المراعاة مصالحها، وليضم عقله إلى عاطفتها، ويرشد اختيارها، ولقلت إن الحب وحده ليس مهراً، وإن الفقر إذا دخل من النافذة خرج الحب من الباب، ولأنكرت، وحق لك أن تنكر تصرف هذا الشاب الذي يساوم هذه الفتاة بعاطفتها، ويريد أن يظفر بها لتعلقها.
أي بني: إنك لن تستطيع أن تعيش حياة زوجية مع امرأة تحبك إلا إذا كانت تحترمك، ولن تحترمك المرأة وهي تراك في حال من الفقر الشديد لعطالتك وعدم عملك، وكونك ستصبح محل إحسان الناس وموضع صدقاتهم وزكواتهم.
كلا يا بني تذكر قول الله:"وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله"[النور:٣٣] ، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"(سبق تخريجه) . وادع ربك واسأله، وأبشر بالخير، فهو القريب المجيب، وسيجعل لك الله من أمرك يسراً، حفظك الله ورزقك الصبر، وانتظار الفرج، وهداك للتي هي أحسن من الأحوال، والله أعلم.