أما الكيفيات لما سبق وتفاصيل الحكم والعلل والغايات، فهو ما لم نؤمر بمعرفته وتطلبه، بل بالعكس جاءت الأدلة بالمنع من ذلك، لا لأن العقل يحكم باستحالته وانتفائه وامتناعه، ولكن لأن العقل يحار فيه ولا يدركه ولا يطيقه، كما قال تعالى:"ولا يحيطون به علماً"[طه:١١٠] ، فلا نحيط علماً بالله لا بذاته ولا بأسمائه، ولا بصفاته، ولا بأفعاله، ولا بأقداره، ولا بحكمه، يقول تعالى:"لا يُسأل عما يَفعل وهم يُسألون"[الأنبياء:٢٣] ، وجاء النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الخوض بالقدر كما في قوله:" ... وإذا ذكر القدر فأمسكوا" أخرجه الحارث بن أبي أسامة (٧٤٢-بغية) والطبراني في الكبير (١٠٤٤٨) ، وحسَّنه العراقي وابن حجر والسيوطي، وصحَّحه الألباني، ولما خرج -صلى الله عليه وسلم- على الصحابة - رضي الله عنهم- يوماً وجد بعضهم يتنازعون في القدر، غضب غضباً شديداً حتى احمرّ وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان فقال:"أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم، إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه" أخرجه الترمذي (٢١٣٣) من حديث أبي هريرة، وحسَّنه الألباني، وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- بلفظ:"لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم" أخرجه أحمد (٢٠٦) ، وأبو داود (٤٧١٠) ، والحاكم (١/١٥٩) .
وهذه الأدلة وغيرها محمولة عند أهل العلم على النهي عن الخوض بالقدر بلا علم، وثانياً: على الاعتماد في معرفة أسرار القدر على العقل البشري، وثالثاً: على البحث عن الجانب الخفي في القدر الذي هو سر الله في خلقه، ورابعاً: على الأسئلة الاعتراضية التي دافعها التعنُّت والتحكم على الله تعالى.