ففي هذه الآيات يبين الله تعالى عظم حق الوالدين، حيث قرنه بعبادته سبحانه مما يظهر المنزلة العالية التي جعلها الله تعالى لهما، قال القرطبي -رحمه الله- تعالى:"وبالوالدين إحساناً" أي وأمرناهم بالوالدين إحساناً، وقرن الله -عز وجل- في هذه الآية حق الوالدين بالتوحيد؛ لأن النشأة الأولى من الله، والنشء الثاني وهو التربية من جهة الوالدين، ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره، فقال (أن أشكر لي ولوالديك) والإحسان إلى الوالدين معاشرتهما بالمعروف والتواضع لهما وامتثال أمرهما" ا. هـ تفسير القرطبي (٢/١٣) وقال -رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى وبالوالدين إحساناً إلى الوالدين برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرق عنهما وترك السلطنة عليهما" ا. هـ التفسير (٧/١٣٢) .
وحق الأم أعظم من حق الأب؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق بحسن الصحبة؟ قال -صلى الله عليه وسلم- "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك" رواه مسلم (٢٥٤٨) .
والأم إن كانت كبيرة في السن فهي في عمر تكون أحوج ما تكون لبر أولادها ويتأكد البر في هذا السن جداً، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف) قيل: من يا رسول الله؟ قال (من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة) رواه مسلم (٢٥٥١) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وعن معاوية بن جاهمة السلمي -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: (ويحك أحية أمك) ؟ قلت: نعم قال: (ارجع فبرها) ، أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال (ويحك أحية أمك) قلت: نعم يا رسول الله قال (فارجع إليها فبرها) ، ثم أتيته من أمامه فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: (ويحك أحية أمك) قلت: نعم يا رسول الله قال: (ويحك ألزم رجلها فثم الجنة) رواه عبد الرزاق (٩٢٩٠) ، وأحمد (٣/٤٢٩) ، وابن أبي عاصم (٣/٥٩) ، وابن ماجه (٢٧٨١) ، واللفظ له.