أما الجريمة الثانية فهي قذفه لنساء أسرته وسبهن وطعنهن في أعراضهن (وهن عرضه) ، وهي جريمة لا تقل عن سابقتها؛ قال تعالى:"إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون"[النور: ٢٣- ٢٤] ، وقال تعالى:"والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً ... " إلى أن قال: " ... إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا.."[النور: ٤-٥] .
وأخرج الشيخان البخاري (٢٧٦٦) ، ومسلم (٨٩) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"اجتنبوا السبع الموبقات ... " وذكر منها: وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".
وما كان هذا الوعيد الشديد إلا لما في هذا العمل من تشويه لحرمات المسلمين، وطعن في أعراضهم، وحب لإشاعة الفاحشة في وسط المجتمع المسلم. قال تعالى: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" [النور: ١٩] .
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم". أخرجه مسلم (١٨٣٠) .
ومعنى الحطمة: العنيف برعاية الإبل، فقد ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً لوالي السوء، الذي يظلم من هو تحت ولايته من أهل وغيرهم، وما فيه من قسوة وخلافه، وعنف وعدم رحمة، وبعده عن الرفق والشفقة. وقال صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً" أخرجه البخاري (٥١٨٦) ، ومسلم (١٤٦٨) .
فلا أوصيك -بنيتي- بأكثر من الصبر على هذا الوالد والدعاء له، وتجنب إساءته قدر الاستطاعة، أما أمك -ثبتها الله- فكوني أكثر براً بها، والأقرب لها تحناناً، فأنتم شركاء في البلاء، وربما لو اعتزلته أمك في الفراش زاد فسقاً واشتد غيًّا وأطلق لسانه عنها بالسوء، وذكريها بقول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك" أخرجه أبو داود (٣٥٣٥) ، والترمذي (١٢٦٤) . وأكثري من دعائك بأن تقولي:(اللهم اكفنيه بما شئت وكيف شئت) صرف الله شره، ورده إلى الحق والهدى رداً جميلاً.. والله أعلم.