وهذا شامل لكل ما العباد بحاجة إليه في شؤون حياتهم الدينية والدنيوية من حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، كما قال تعالى:"ما فرطنا في الكتاب من شيء"[الأنعام: ٣٨] وهذا التشريع بهذا المعنى هو خالص من الله تعالى لا يجوز أن ينازع فيه ولا يقتصر على موضوع دون آخر فإن الله تعالى قد أراد أن تكون شريعته هي المهيمنة، وأن لا يخرج عنها البشر في اجتهاداتهم أو تدابيرهم أو تنظيماتهم، وهي بهذا المعنى ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولا يعني هذا أن تنطق النصوص الشرعية بكل شيء، بل الشرط أن لا تخالف، فإن خولفت على سبيل الاستقلال عنها المضاهي لها كان ذلك تشريعاً وضعياً اعتدى صاحبه على حق الله تعالى، والتنظيمات الإدارية وهي ما يسمى عند المتقدمين بالتراتيب الإدارية والأحكام السلطانية والسياسية الشرعية فهي الإجراءات التنفيذية والاجتهادات البشرية لتحقيق تنفيذ التشريعات الإلهية والمصالح الشرعية، فالتشريع لله بهذا المعنى ملزم لا يجوز به الاجتهاد ولا يسوغ فيه الخلاف بخلاف التنظيمات الإدارية فهي خاضعة للاجتهاد البشري المتغير والخلاف، والتغيير فيها سائغ حسب الزمان والمكان والحال، وهذه التنظيمات تأخذ الصبغة الشرعية من حيث إنها لا تكون إلا فيما أباح الله تعالى وسكت عنه، وفوض البشر للاجتهاد لتحقيقه، وأنها لا تخالف ولا تضاهي التشريع الإلهي في أي صورة من صور المضاهاة والمخالفات، وعليه فحكمها أن ما كان منها محقق لما دل عليه الشرع وإن لم ينطق به وغير مخالفٍ له فهذا يعمل به، وما كان منها مخالف للشرع فهذا لا يجوز العمل به ولا تسويغه. والله أعلم.