رابعاً: لا أدري ماذا نقول لك، ولماذا أصبحت تفكر بالانسحاب وشخصيتك - كما تقول- ناجحة في العمل، ولديك قدرة مالية، وكيف هزمك الشيطان في تغيير نظرتك لوالديك، وهل البر شيء بسيط؟ لا والله أمك ثم أمك ثم أمك، فهل بعدها شيء آخر؟ كثير منا يريد تفصيل الآخرين على مزاجه، كثيراً قد يحمل الآخرين تقصيراً ما، لماذا أخوك مقرب لوالديك، هل عرفت السبب وأدركته؟ فقد تكون ابتسامته لهما، كلمته معهما، خدمته لهما، فيها من الإذلال والشفقة والعطف الكثير والكثير.
أخي الحبيب: إن الآباء يدركون فطرياً بر أبنائهم، فلا تعتقد أنك بتقبيلهم بريت بهم، أو بسؤالك عنهم، أو شراء الدواء لهم، لا والله، فإذا كنت وصلت أن تفكِّر في حماية أبنائك وتعزف عن والديك فأعتقد أن في قلبك خصال جفاء.
أخي الحبيب: هناك كثير من السبل التي قد تجعل البيت سعيداً، تتوقف على موقف الأسرة ذاتها، فأنت جزء من الأسرة وليس منفرداً عنها، رغم أنك - كما تقول- تشعر بعزلتهم لك، فهم يذهبون سوياً ويأكلون سوياً، بل وصارحوك في رغبتهم في خروجك، وما من شخص يتفق عليه اثنان إلا عليه بمراجعة حساباته قبل أن يسقط ما يشعر به على الآخرين.
اجتمع مع أخيك وابحثا الموضوع بكل شفافية، لماذا بينكما الجفاء، أكثرا من الرحلات والنزهات المشتركة بين الأبناء، أكثرا من البرامج الثقافية داخل المنزل بين الأبناء، اجعلوهم يخرجون سوياً للمسجد.
بادر بإقامة مناسبة لوالديك أو أحدهما، ولو من ابتكار أفكارك، ادعُ أخيك وعائلته، انتهز فرص الأعياد والمناسبات للمبادرة ببرامج أسرية مشتركة.
مشكلتك - أخي الكريم- قد تكون في شخصيتكم، أنت قد تخجل من مواجهة أخيك، من إيضاح موقفك من بعض السلوكيات، فتراكمت في قلبك، وزادها الزمن قسوة، وهذا ما نحذّر منه، فالتفريغ الوجداني ونقل ما في الجوف لشخص آخر يسهم في تخفيف تراكم المشكلة.
صارح والديك بما يخالجك بكل أدب واحترام، ادع لهما بالمغفرة أن يرضيا عنك، قل لهما أنك تبحث عنهما قبل أن يأتيا إليك، أشعرهما أنك محتار في تقصيرك معهما، لا تخجل من مصارحة والديك.
دع عنك كلمة مظلوم، التي قد تثير مشاعرك كرجل أمام زوجتك، أمام أبنائك، واحرص على السلوك القويم أمام والديك، حتى لا تندم على ذلك، اعتبر واحفظ قوله تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" [آل عمران: ١٤٠] ، ومن عفا وصفح فهو الرابح وأجره على الله، فافتح قلبك ولا تجعل للشيطان مدخلاً للتنفير بينك وبين إخوتك، وخذ من سورة يوسف في كتاب الله -عز وجل- العبرة والعظة.
فاستعن بالله وابدأ بتعديل بعض سماتك الشخصية التي تقلق، وبخاصة قدرتك على المواجهة الشفافة، عندها قيم التحسن، وإن لم تشعر به لا مانع من أن تأخذ شقة مؤقتة وتقيس التقدم، وهكذا بالتدريج قد نصل للحل، ولكن تأكد أن كلنا ندافع عن أنفسنا، ونبالغ في الثناء على الذات دون إدراك لرؤية الآخرين نحونا، فقد يكون بها كثير من الصحة.
دعائي لك بالتوفيق، وأن يجمع بينك وبين والديك، وزوجك وإخوتك بالحب والسعادة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد.