للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا بنيتي: أنا أشفق عليك من غضب الله عليك؛ لأني أخشى عليك عاقبة العقوق، فقد توعد الله عاق والديه بحرمانه من دخول الجنة؛ فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه...." الحديث أخرجه أحمد في المسند (٦١٤٥) ، وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة منَّان، ولا عاق لوالديه، ولا مدمن خمر" أخرجه أحمد (٦٨٤٣) .

فيا بنيتي: عليك ببر أمك، والإحسان إليها، فقد أمرنا ربنا بذلك في محكم التنزيل، فقال -تعالى-: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغنك عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهم أُفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً وخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي أرحمهما كما ربياني صغيراً" [الإسراء: ٢٣-٢٤] ، وقال -تعالى-: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً" [لقمان: ١٥] ، فهذا أمر الله ينطق بالحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ فربنا يأمر الأبناء ببر آبائهم حتى وإن أمر الوالدين أو أحدهما الابن بالكفر أو الشرك، - والعياذ بالله- ليس بعد الكفر ذنب، فما بالك بما دون ذلك؟ ولا أظن أن أمك وصلت معك إلى هذا الحد، وحتى إذا وصلت جدلاً فعليك بالإحسان إليها، والبر بها، فهذا حكم الله - جل جلاله-،وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- السيدة أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما- بأن تبر أمها على رغم من أن أمها مشركة، فقال لها - صلى الله عليه وسلم-: "صِلي أمك" متفق عليه، فلا يسعك بعد ذلك أن تستجيبي لأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم- ببر أمك، والإحسان إليها، وأن ما يعتريك من هذه الكوابيس أثناء النوم فهذه أضغاث أحلام، وينبغي عليك معرفة السنة، والهدى النبوي في مسألة النوم، فينبغي عليك إذا أويت إلى فراشك أن تكوني على وضوء، وتنامي على شقك الأيمن، واضعة يدك اليمنى على خدك الأيمن، وبعد ذلك تقولي أذكار النوم، فعند ذلك ستنامين نوماً هادئاً بدون كوابيس - بإذن الله تعالى- وما ينتابك من ضيق في النفس عندما تتواجدين أنت وأمك في مكان واحد، فهذا كله من الرواسب التي أوغل بها الشيطان صدرك تجاه أمك، فعليك بتقوى الله في أمك، وأكثري من الدعاء لها، ولك بأن يصلح الله شأنكما، ويزيل هذا البغض من قلبك لها، ويحل محله الحب والود، والرحمة لها، والشفقة عليها.

ولكن كون أمك تحاول أن تكرهك في عماتك، وبنات عمك، فلا يحق لها إلا إذا كانت هناك أسباب شرعية لذلك، بأن تحذرك منهن لأمور شرعية أيضاً، أما غير ذلك فلا، ولكن هذا كله لا يسوغ لك أن تكرهي أمك إلى هذه الدرجة، وتحتقريها.

يا بنيتي: تذكري بأنه إذا طال بك العمر ستصبحين أُماً - إن شاء الله تعالى- فاتقي الله في أمك، بريها حتى يبرك أبناؤك بعد ذلك، والجزاء من جنس العمل، واعملي ما شئت كما تدينين تدانين، اللهم قد بلغت فاللهم فاشهد. هذا، والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>