فعلاً هي نموذج عالٍ للتجرد لله تعالى والتخلص من المؤثرات والأواصر والتغلب على كل المعوقات والمغريات، ولذلك استحقت أن يخلد ذكرها في هذا الكتاب العزيز، واستحقت وصف النبي - صلى الله عليه وسلم- وثناءه عليها حين قال: "كَمَلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" رواه البخاري (٣٤١١) ، ومسلم (٢٤٣١) فما أحوجنا إلى مثل هذا النموذج الراقي!!
إذاً أختي الكريمة ليس معنى فقد البيئة المعينة النهاية؛ بل بداية طريق مليء بالصبر والمصابرة والمقاومة وتحقيق الذات، وأنت - ولله الحمد- بالرغم من كل ما ذكرتيه من انحرافات في مجتمعك إلا أنه (مجتمع مسلم يصلي ويصوم ويتصدق) كما أشرت في معرض كلامك، وهذا جانب إيجابي يمكن أن يوفر عليك عناءً كبيراً من الاحتمال، كما يمكن أن تستغليه لإيصال الهداية إلى من حولك.
والانعزال عن هذا المجتمع هو أحد الحلول ولا شك، ولكنه يجب أن يكون آخرها، لأنك بانعزالك عنه تفوتين فرصة النصح والتوجيه لأهلك وأقاربك، فهو أسهل الحلول على الإنسان وأشدها راحة، بينما مخالطة الناس، والصبر على أذاهم، والحرص على هدايتهم؛ يكلف الإنسان الكثير من الجهد والعناء ولذلك استحق الخيرية التي قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) .
ولذلك - أختي- الذي أتمناه منك أن تتحولي من السلبية إلى الإيجابية، ومن التأثر إلى التأثير.
قلت: "إما أن أجاريهم فيما يفعلون وإلا أقطع رحمي" وأنا أقول لك هناك خيار ثالث!! أن تخالطيهم وتتوجهي إليهم بالنصح والموعظة الحسنة بالرفق واللين، وأن تهدي إليهم بعض الكتب والأشرطة، وأن تبني معهم علاقات مودة تفتح قلوبهم لك ولنصحك، وصدقيني مهما قلت عن المنكرات التي يمارسونها فسوف تجدين لكلماتك وقعاً ولنصحك تأثيراً ولغرسك أرضاً خصبة، ولكن كلامي هذا لا يعني أن تريهم على منكر وتجالسيهم!! لا بل تناصحيهم فإن لم يستجيبوا فاتركي ذلك المجلس الذي يعمل فيه المنكر مع إبقاء صلتك بهم طيبة. ربما تقومين بذلك كله وتصبرين ولكن لا تجدين استجابة بل تجدين إصرار على المعصية!! ربما!! فهنا قد تفكرين في قطع المجالس التي تتوقعين أن يكون فيها المنكر وهجر من يفعله ولكنه كما قلت آخر الحلول.
أرأيت أنك تستطيعين أن تكوني إيجابية مؤثرة مع احتفاظك بمبادئك!!.
بقي أن أوجه لك هذه النصائح:
٠١- اعلمي أن الإيمان شجرة إذا لم تجد ما يغذيها في القلب ذبلت وهزلت حتى تموت والعياذ بالله، وتغذيتها بقراءة القرآن وحفظه وتدبر آياته والعمل بها، حضور مجالس الذكر، طلب العلم وتعلم الأمور التي لا يستغني عنها مسلم في عبادته لربه.
٠٢- الصحبة الصالحة عنصر منهم جداً فابحثي عن أخوات صالحات في حيك أو في مدرستك أو جامعتك في أي مكان وتواصي معهم بالحق والصبر.
٠٣- لا تنظري إلى من حولك بعين المقت والاحتقار لأنهم عصاة بل بعين الشفقة والرحمة أن تمسهم النار.
٠٤- كرري هذا الدعاء في سجودك وفي كل وقت (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك)
أسأل الله أن يثبت قلبك ويعمره بالإيمان ويرد أهلك إليك رداً جميلاً.