أما التكفير فهو أمر لا يقطع به إلا إذا كان مع حكم هذه القوانين تصريح بازدراء الشريعة وتنقيصها والحط من قدرها، بحيث يقول الذي يسن هذه القوانين: إن الشريعة غير صالحة، ونحو ذلك من الكلام، أما أن يكون مع سن هذه القوانين اعتقاد بأن الشريعة هي الحق، وأن ما سواها ليس على حق، فمجرد سن القوانين وحده ربما لعجز أو لجهل، أو لتقليد، فلا يكون كفراً، ولهذا قال ابن عباس – رضي الله عنهما- في قوله –تعالى-: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"[المائدة:٤٤] ، قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، في قوله –تعالى-: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"[المائدة: من الآية٤٧] ، معناه أنه غير مخرج من الملة، وهذا هو الذي نراه بناء على نُقول كثيرة، ومنها نُقول عن شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله-، والأظهر فيه أن الكفر هنا لا يكون مخرجاً من الملة، ولهذا قال عدي بن حاتم – رضي الله عنه – سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في سورة براءة:"اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.."[الآية:٣١] قال: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه" رواه الترمذي (٣٠٩٥) وغيره. وهذا هو سر عبادتهم لهم، فهؤلاء يغيرون لهم الشرع يحلون باسم الشرع بحيث يحرمون حلالاً نص عليه في الشرع، ويحلون حراماً نص على تحريمه في الشرع، بحيث ينسبونه إلى الشريعة، كأن يقول الإنسان –مثلاً- الصلاة ليست واجبة في الشرع، والصوم ليس واجباً شرعاً، والزكاة ليست واجبة، أو إن ارتكاب الفواحش حلال شرعاً، أما إذا ارتكب هو هذه الفواحش وترك الآخرين يرتكبونها، فهذا الفعل بحد ذاته ليس مكفراً؛ خلافاً لبعض المفتين والمشايخ في القرن الماضي الذين أفتوا بأن مجرد الفعل يكون كفراً، وقد حققنا ذلك في بحث مستقل وعنوانه: (التكفير بالحكم بغير ما