الحال الثانية: أن يكون ما يطالب به مما تقره الشريعة، ويحكم به قانون هذا البلد دون زيادة؛ ففي هذا الحال لا حرج أن يتقدم المسلم إلى محكمة هذا البلد ليطالب بحقه، ولا يُعتبر هذا من التحاكم إلى الطاغوت؛ لأن المتقدم إنما يأخذ حقه الذي أقرته الشريعة فقط، وهذا من شريعة الله، ومحكمة البلد إنما صارت وسيلة لتنفيذ أحكام الشريعة فقط؛ وذلك مثل استخدام الكفار في المحاكم المسلمة لتنفيذ الأحكام الشرعية في الشُرَط ونحوها.
ولو قلنا بغير ذلك للزم من ذلك حرج عظيم وضياع للحقوق كبير حتى في بلدان الشعوب المسلمة التي تُحكم بغير الشريعة؛ إذْ لا فرق عندي بين كافر أصلي ومنتسب إلى الإسلام كلاهما يحكم بغير حكم الشريعة؛ فإذا لم نقل بهذا ضاعت الحقوق، وتسلط الظلمة على الصالحين.
وإن كان المتقدم يعلم أن هذه المحكمة تحكم بأكثر مما يستحقه المتقدم ففي هذه الحال يجوز التحاكم إليها، وعليه عند التنفيذ أن لا يأخذ إلا ما يستحقه فقط.
وأقترح على المسلمين في مثل هذه البلاد أن ينشئوا مراكز متخصصة للتحكيم يقضي فيها فقهاء في الشريعة يكون حكمها ملزماً في حال تراضي الخصمين بتحكيمها -حتى في القوانين-، وفي حال امتناع أحد الخصمين من التحكيم فتصدر رأيها وفق المعطيات التي تقدم بها الخصم الآخر؛ لتكون مسوغًا له للجوء إلى المحاكم الوضعية لتحصيل حقه الثابت له في الشريعة؛ فهذه المراكز تؤدي غرضين:
الأول: التحكيم في حال التراضي.
الثاني: إعطاء المسلم ما يثبت حقه على سبيل الفتوى؛ ليعلم هو منها أن له مطلباً صحيحاً، وليقي بها عرضه من الطاعنين.
وفي مسألتنا هذه يقال: إذا لم يمكن الأخ السائل أن يُحكِّم مسلماً فتنطبق عليه الحال الثانية؛ لأن وجوب رد القرض مما وافقت فيه القوانين شرعيةَ الإسلام؛ فلا حرج من تقدم السائل لمحكمة هذا البلد لتحصيل حقه. والله تعالى أعلم.