وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحذر أصحابه ونساءه من هذه الصغائر، وهم من هم في الورع والزهد، والعلم، والإيمان والتقوى وغير ذلك من أبواب البر والخير، ومع ذلك يحذرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من صغائر الذنوب، فمن باب أولى أن نكون أحق بالتحذير منهم، مع ما فينا من تقصير وجهل، وغرور ونقص، إلى غير ذلك من الآفات المهلكات، اللهم خذ بنواصينا إليك، أما احتجاجهم عندما تقوم بنصحهم وتخويفهم بالنار فيقولون:(وما منا إلا ذائقها) ، نقول لهم هل حكمتم على أنفسكم بالنار، وهذا الأمر مرجعة إلى العزيز الجبار، ولعلهم يتأولون قوله تعالى في سورة مريم:"وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً"[مريم:٧١] وهذا لا يعني أن الجميع يدخل النار؛ لأن هناك فرقاً بين الورود والدخول، قال تعالى عن موسى:"وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ"[القصص: من الآية٢٣] فالمقصود من قوله: "وإن منكم إلا واردها" يعني المرور عليها؛ وذلك لأن الصراط -وهو الجسر- نصب على متن جهنم أي بين ظهريها، فيجتاز المسلمون وغيرهم هذا الجسر المنصوب على متن جهنم وهم بذلك قد وردوا على النار، ثم ينجي الله المسلمين بأعمالهم، ويذر المجرمين يتساقطون في النار تساقط الفراش؛ ولذلك قال الله تعالى بعد هذه الآية مباشرة "ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً"[مريم:٧٢] ، وعليك أن ترجع لتفسير هذه الآيات في كتب التفسير المعروفة كابن كثير، وتفسير الطبري، والقرطبي وغيرهم.
وبناء على ما تقدم ينبغي عليك الآتي تجاه هؤلاء الإخوة.
(١) أن تبين لهم خطأ ما هم عليه على ضوء ما قد سبق لك بيانه.
(٢) لا يمنع بأن تذهب أنت وهم إلى بعض المشايخ والعلماء وطلبة العلم؛ حتى يوضحوا لهم ما التبس عليهم في هذا الأمر الهام.
(٣) يجب أن تذكرهم بالله وما أعده الله من العذاب الأليم والعقاب الشديد لمن يتعدَّى حدوده ويقترف الموبقات.
(٤) ذكرهم بأن الجنة أعدت للمتقين، والنار أعدت للمجرمين، وأنهم ضعفاء وأجسامهم على النار لا تقوى.
(٥) أحضر لهم الكتب والأشرطة التي تتحدث عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسان كيف كان خوفهم من الله مع حرصهم على العمل، فلقد كان يسمع لصدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزيز كأزيز المرجل من البكاء، ولعلك تطَّلع على كتاب لنا عنوانه (الخوف من الله في ضوء الكتاب والسنة وسير سلف الأمة) فلقد عالجت فيه مثل هذه المسائل.
(٦) عليك بالدعاء لهم بالهداية، واحذر من كثرة مخالتطهم إذا استمروا على هذه الحالة السيئة، هذا والله أعلم.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضى، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.