٤- ومما يمكن أن يرد به على هذا المحتج - بناء على مذهبه - أن يقال له: لا تتزوج؛ فإن كان الله قد قضى لك بولد فسيأتيك، وإلا فلن، ولا تأكل ولا تشرب فإن قدَّر الله لك شبعاً وريَّاً فسيكون، وإلا فلن، وإذا هاجمك سَبُعٌ ضارٍ فلا تفر منه؛ فإن قدَّر الله لك النجاة فستنجو، وإن لم يقدرها لك فلن ينفعك الفرار، وإذا مرضت فلا تتداوَ؛ فإن قدَّر الله لك شفاءً شفيت، وإلا فلن ينفعك الدواء. فهل سيوافقنا على هذا القول أم لا؟ إن وافقنا عَلِمْنا فساد عقله، وإن خالفنا علمنا فساد قوله، وبطلان حجته. ومما تجدر الإشارة إليه - أن احتجاج كثير من هؤلاء ليس ناتجاً عن قناعة وإيمان، وإنما هو ناتج عن نوع هوى ومعاندة؛ ولهذا قال بعض العلماء فيمن هذا شأنه:" أنت عند الله الطاعة قدري؛ وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به " مجموع الفتاوى (٨/١٠٧) .
يعني أنه إذا فعل الطاعة نسب ذلك إلى نفسه، وأنكر أن يكون الله قدر ذلك له، وإذا فعل المعصية احتج بالقدر. وبالجملة فإن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي، أو ترك الطاعات احتجاج باطل في الشرع، والعقل، والواقع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن المحتجين بالقدر:" هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى ". مجموع الفتاوى (٨/٢٦٢) .