أخي الحبيب: سرِّح طرفك، وأمعن النظر في تاريخ تلك القافلة المباركة، قافلة الأنبياء والرسل - صلوات ربي وتسليماته عليهم جميعاً-، وهم يبذلون المهج والأفئدة، والدماء، والمال، والأنفس، وكل غال ونفيس، وبذله بسخاوة نفس في الدعوة إلى الله، وهداية البشر إلى طريق الهدى والنور، بكل ثقة وثبات، ويقين بنصر الله -تعالى- لهم، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى أتاهم الله بالنصر المبين، تجد العجب العجاب، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يذهب إلى الطائف، ويحدث له ما هو معلوم للجميع، حتى دعا بهذا الدعاء المشهور، فما كانت النتيجة؟ نزل جبريل - عليه السلام- بأمر من الملك العلام - سبحانه وتعالى- على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه ملك الجبال، وقال جبريل - عليه السلام- للرسول - صلى الله عليه وسلم- بعد أن قرأ عليه السلام إن الله قد سمع مقالة قومك لك، وهذا ملك الجبال قد أرسله الله لك، فأمُره بأمرك، فلو شئت أن يطبق عليهم الأخشبين- أي الجبلين العظيمين- لفعل، فماذا كان جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال:"بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يوحده لا يشرك به شيئاً" متفق عليه أخرجه البخاري (٣٢٣١-٧٣٨٩) ، ومسلم (١٧٩٥) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وكان صلى الله عليه وسلم يقول حكاية عن نبي من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" البخاري (٣٤٧٧) ، ومسلم (١٧٩٢) ، وصدق الله حيث قال:"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ"[التوبة:١٢٨] .
فيا - أخي الحبيب- ليكن لك في هؤلاء الثلة المباركة من أنبياء الله ورسله الأسوة الحسنة، والقدوة الطيبة، فلا تترك هذه القرية وتذهب إلى غيرها، وتذكَّر دائماً قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه- عندما دفع إليه الراية يوم خيبر لفتحها:"لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم" متفق عليه عند البخاري (٣٧٠١) ، ومسلم (٢٤٠٦) من حديث سهل بن سعد-رضي الله عنه-.
أخي الحبيب: إذا نظرت إلى أهل الباطل من نصارى وغيرهم من أهل الكفر والإلحاد، والفسق والزندقة تجد عندهم من الصبر والجلد الشيء العظيم، من أجل نشر باطلهم وعقائدهم الفاسدة، فلزاماً على أهل الحق والخير أن يكونوا كذلك وأشد؛ لأنهم يدعون إلى الحق المبين، وكان سيدنا عمر -رضي الله عنه- يقول:"أعوذ بالله من عجز الثقة وجلد الفاجر".
أخي الكريم: أرى لزاماً علي أن أنصحك بما يلي:
١- الاستمرار مع هؤلاء الناس في الدعوة إلى الله، حتى وإن كانت استجابتهم ضعيفة.
٢- العمل الجاد على أن تجعل لك طلبة علم يحملون هم هذه الدعوة، حتى إذا خرجت من عندهم، كان هناك من يسد هذه الثغرة المهمة.
٣- فتش في نفسك؛ فلعل هناك خللاً ما في أسلوب دعوتك، قد يكون السبب في عدم استجابتهم لك.
٤- لا تستعجل قطف الثمار قبل الأوان؛ فتصاب بالحرمان.
٥- أكثر من القراءة في كتاب ربنا، وسنة نبينا- صلى الله عليه وسلم-، وخصوصاً في الجوانب الدعوية.