وكم حكى لنا القرآن من قصص المرسلين مع أقوامهم، وما لاقوه منهم من كل صنوف الأذى، بداية من الغمز، نهاية إلى القتل وسفك دماء الأنبياء، فقال تعالى عن بني إسرائيل:"أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون"[البقرة: ٨٧] ، وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ... "[الأنعام: ٣٥] ، والأدلة على ذلك كثيرة جداً؛ فقط أريدك أن تتأمل قوله تعالى:"إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون"[المطففين:٢٩ - ٣٦] ، ومع هذا ـ يا بني ـ فأصحابك ليسوا كفاراً؛ بل هم كغيرهم، ومثلك قبل أن تتذوق حلاوة الإيمان "كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم".. هم فقط جاهلون بالحق، غرباء عنه، وأنت إذا أحسنت إليهم وبششت وهششت لهم، وتحببت إليهم بحسن الخلق، ثم رأوا منك ثباتاً على مبادئك وما هديت إليه من حق، فإما أن يشرح الله ـ بإذنه ـ صدورهم كما شرح لك صدرك، أو على الأقل يكفيك شرهم، ويمنعك سخريتهم وأذى قولهم، وحتى لو قالوها ـ سخرية ـ فأنت يا صاحب اللحية "حقاً لحيتك كالعسل"، فما أحلى التحلِّي بالسنة، فلا تحزن فأصحابك مدحوك إذ أرادوا مذمتك، وأخيراً.. أنصحك ـ أيها الداعية الصغير ـ أن تستعين على الخروج من خجلك هذا بالعلم، فتعلَّم أحكام دينك، وتعرَّف على طرائق الدعوة وتجارب الدعاة إلى الله، وتدرَّب على "فن الدعوة"، واختلط بالناس، وكن واثقاً بنفسك، وكن صاحب المبادرة في بدء أصحابك بالحديث، بعد ذلك أنصحك ـ ومن خلال تجربتي الشخصية وأنا في مثل سنك ـ أن تشارك أهل "التبليغ والدعوة" بعض جولاتهم على الناس؛ فقد يساعدك هذا ـ إن شاء الله ـ على الجرأة في الدعوة، ويدربك على فن المبادرة، ويرفع عنك حالة الخجل والتردُّد.. وفقك الله وثبَّتك.