لقد ارتبط شهر الخير عند الكثيرين من الناس بأنه مفتاح التغير السلوكي والاجتماعي السيئ للأسف الشديد ولذلك فالنصائح والكلمات والمحاضرات والإرشادات والتذكير والتوجيه ليس لها مردود إيجابي إلا من الناحية الفردية فقط وثمارها تبقى محدودة بالتزام الأفراد مع قلتهم بها. الأمر في نظري أعظم من ذلك بكثير لأننا لا نتعامل مع أفراد قلائل يمكن أن توجه إليهم مثل هذه الأساليب وتصبح ناجعة معهم، وإنما نحن أمام معضلة أكبر من ذلك بكثير إنها مسألة مجتمع بأكمله يشكو المرض وسوء الأحوال لدى أفراده جميعهم ولذلك تبقى المسألة محصورة في كيفية انتشال هذا المجتمع المريض من هذه البراثين التي يغرق فيها وهذه الأوحال التي يخوض فيها وهذا الآلام التي يشكو منها وانتشاله إلى روضة الصحة والعافية وإلى طيب العيش والاستقامة وإلى شعاع النور والهدى وإلى الحيوية والنشاط والاستفادة من الطاقات المهدرة والأوقات الضائعة وإلى تغيير بوصلة التيه المجتمعي العام وتوجيهها إلى ما فيه الخير العميم والنفع الشامل والحياة المتحركة بكل ما يفيد وبكل ما يجعله موصلاً لتحقيق الخيرية لهذا الأمة (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس) .
المسألة في نظري ليست من السهولة بمكان بأن تُحل وتُعالج لأنها تراكمات مجتمعية تطاولت مع الزمن حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن ولذلك فلا نتوقع أن العلاج يمكن أن يتم بين عشية وضحاها ونحن لا نملك عصاً سحرية تكفينا منها هزة واحدة لتنقلب معها حالنا وتنحل جميع مشاكلنا، إنها في نظري ذات جوانب متعددة وفروع كثيرة تتشاكل فيها وتنصهر فيما بينها جميع المؤسسات الاجتماعية مع بعضها البعض وتتظافر كلها خطوة بخطوة في انتشال ذلك المرض المجتمعي السائد. فالأسرة ودورها في التنشأة وما يمكن أن يمارسه الوالدان في منزلهما ومع أبنائهما، والمدرسة وما يفعله المعلمون مع تلاميذهم والمسجد وما يقوم به الإمام والمؤذن وجماعة المصلين مع بعضهم البعض والإعلام بأشكالها المتنوعة مع جمهورها ومؤسسات الضبط الأمني مع الأفراد الخارجين عن سلك الجماعة. كل هذه المؤسسات الاجتماعية يجب أن تعمل معاً بحيث لا يكون البعض منها يبني والآخر يهدم.
الأمر الآخر هو الالتفات بجدية للأفراد الناشئة في هذا المجتمع إذ هو يشكل أغلبية الأفراد في هذا المجتمع وهم الرقم الصعب الذي يستحق المراهنة عليه. الكبار قد تشكلت طباعهم والجهد معهم قد لا يؤتي من الثمار كما لو كان ذلك الجهد موجهاً ومبذولاً مع الصغار والناشئة.