للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإليك هذا الحديث الرائع والذي يوضح لنا مدى سعة رحمة الله بعبده التائب مهما فعل من الذنوب والمعاصي، المهم أنه يقبل على الله بقلب خاشع ونفس منكسرة ذليلة، ويكون صادق النية في توبته، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم قال سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم- أي حكماً - فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد أن يذهب إليها ليتوب فيها، فقبضته ملائكة الرحمة" متفق عليه البخاري (٦/٣٧٣-٣٧٤) ، ومسلم (٢٧٦٦) ، وفي رواية في الصحيح: "فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها، وفي رواية أيضاً في الصحيح: "فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي، وقال: قيسوا ما بينهما فوجدوه إلى هذه أقرب، أي إلى القرية الصالحة بشبر فغفر له" وفي رواية: "فنأ أي فقرب بصدره نحوها" أرأيت يا عبد الله مدى سعة رحمة الله بعباده التائبين، أضف إلى ذلك بأنك إذا تبت إلى الله ورجعت إليه، وأقلعت عن المعاصي والذنوب فإن الله يفرح بك فرحاً شديداً، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" متفق عليه، البخاري (١/٩١-٩٢) ، ومسلم (٢٧٤٧) واللفظ له.

فبادر بالتوبة أخي الكريم ولا تعد لما فعلت، فإن ما فعلته أمر عظيم، وجرم كبير، وذنب فادح، وفعلة قبيحة وشنيعة يستقذرها أهل المروءة والنخوة، ويستقبحها أهل الفطر السليمة، ويستعظمها أهل الإيمان والتقى. والتوبة لها شروط وضعها أهل العلم حتى تكون التوبة توبة نصوح وهذه الشروط هي:

(١) الإقلاع عن المعصية فوراً.

(٢) الندم على فعل هذه المعصية.

(٣) العزم الأكيد على عدم العودة إلى المعصية مرة أخرى.

وهناك أمور تعينك بإذن الله تعالى على التوبة من هذه المعصية وغيرها ومنها:

(١) مصاحبة أهل الخير من طلبة العلم والدعاة وغيرهم.

(٢) الحرص على مجالس الذكر والعلم.

(٣) عدم مخالطة أهل السوء والشر والفسق والابتعاد عنهم.

(٤) الحرص على قراءة القرآن بتدبُّر والحرص على طلب العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>