وجاء في (زاد المعاد) لابن القيم. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: عن أبي الدرداء، قلت: يا رسول الله، لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ورسول الله يحب معك العافية". أما ما ورد في سؤالك ـ أخي الكريم ـ من شبهة تعارض بين ما سبق من أحاديث بطلب العافية، وما ورد في القرآن الكريم من الدعاء بالصبر، مثل قوله تعالى في الآية (٢٥٠) من سورة البقرة وهو قوله تعالى حكاية عن قصة داود مع جالوت "ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"، وكذلك قوله تعالى في الآية (١٢٦) من سورة الأعراف حكاية عن قول سحرة فرعون بعد إيمانهم "وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين"، فما جاء في هاتين الآيتين الكريمتين من دعاء وطلب للصبر هو عند لقاء العدو واحتدام البلاء، وقد جاء في الحديث الصحيح:"لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" متفق عليه، أخرجه البخاري (٢٨١٩) ، ومسلم (١٧٤٢) من حديث عبد الله بن أبى أوفى.
وحين وقوع البلاء فعلى المسلم أن يصبر ويرضى بقدر الله -تعالى- ولا يجزع لما أصابه؛ ففي مسند الإمام أحمد (٢٣١٢٩) ، والترمذي (٢٣٩٦) ، من حديث محمود بن لبيد يرفعه:"إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط". زاد أحمد:"ومن جزع فله الجزع". قال أبو الدرداء-رضي الله عنه-: إن الله إذا قضى قضاء، أحب أن يرضى به"، وكان عمران بن حصين-رضي الله عنهما- يقول في علَّته: أَحبَُه إليّ أحبه إليه، وكذلك قال أبو العالية.
وقال الحسن: دخلنا على عمران بن الحصين -رضي الله عنهما- فقال رجل: لا بد أن أسألك عما أرى بك من الوجع، فقال عمران يا أخي لا تفعل، فو الله إني لأحب الوجع ومن أحبه كان أحب الناس إلى الله. قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" [الشورى: ٣٠] ، فهذا مما كسبت يدي، وعفو ربي عما بقي أكثر". وهذا وأمثاله هو من أدب الصالحين إذا نزل بهم البلاء، لا قبل وقوعه.
كما أنه على المعافى إن رأى مبتلى أن يحمد الله على المعافاة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما من رجل رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً إلا لم يصبه ذلك البلاء كائناً ما كان" أخرجه الترمذي (٣٤٢٨) في الدعوات من حديث أبي هريرة وحسنه. على أن هناك أنواعاً من الصبر يحتاجها المسلم ويحمل عليها الدعاء به، وهي الصبر على طاعة الله، والصبر عن معاصي الله، فهذه لا بد منها؛ لتحقيق العبودية لله -عز وجل-، كما قال عز وجل:"واستعينوا بالصبر والصلاة"[البقرة: ٤٥] .
هذا.. وأسأل الله لنا ولك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.