ثانياً: قولك بأنه في تلك الفترة الأخيرة أصبح يسيطر عليك فكرة أنك لم تصلحي للدعاء، فهذا كلام مردود جملة وتفصيلاً؛ وذلك لأن الموعِد وعد -ووعده حق وصدق- أنه يستجيب لمن دعاه، قال تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [البقرة:١٨٦] ، تأملي قول المولى جل وعلا (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) فالمولى -سبحانه- تكفَّل بإجابة دعوة الداع شريطة إذا دعاه، ولكن بشرط توفر شروط الإجابة وانتفاء موانعها - وأنت زعمت في رسالتك أنك تعرفين شيئاً كثيراً من ذلك؛ فلذا فلا داعي لذكره هنا.
فهل توفرت فيك شروط استجابة الدعاء، وانتفت عنك موانع الاستجابة، أم لا؟ أنت أدرى بنفسك من غيرك، فالعاقل بصير نفسه.
ولذا كان سيدنا عمر - رضي الله عنه وأرضاه -من فقهه بكتاب الله يقول: (أنا لا أحمل هم الإجابة، لكن أحمل هم الدعاء) ، أي أنه لا يحمل هم استجابة دعائه؛ لأن الله وعد بذلك، لكن المهم هل نحن مؤهلون لكي نكون أهلاً للإجابة أم لا؟
ويقول تبارك وتعالى: "أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"، فهل أنت دعوت الله دعاء المضطر؟.
وأضيفي إلى ما تقدَّم أن من شروط استجابة الدعاء عدم الاستعجال، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي) متفق عليه أخرجه البخاري (٦٣٤٠) ، ومسلم (٢٧٣٥) وفي رواية لمسلم (٢٧٣٥) : (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء) ، ومعنى قوله (فيستحسر) أي ينقطع عن الدعاء.
ثالثاً: أما قولك بأنك تفعلين ذنباً عظيماً، ويبدو من كلامك أنك مستمرة على هذا الذنب العظيم، وترجعين عدم استجابة الله لك لهذا الذنب، فهذا الكلام قد يحتمل الصحة والخطأ، ومرجع ذلك إلى معرفة الذنب نفسه.
رابعاً: وأما قولك بأنك غافلة عن هذا الذنب، فهذا كلام غير مقبول؛ لأن الإنسان أدرى بنفسه، وخصوصاً إذا كان مقترفاً ذنباً عظيماً - كما ذكرت- فمعرفة هذا الذنب يرجع إليك وحدك، ففتشي في نفسك تجدي ضالتك، ومن ثم تقلعين عن هذا الذنب؛ لأن للذنوب والمعاصي أضراراً عظيمة، ومن بين هذه الأضرار عدم استجابة الدعاء، كأكل الحرام ونحوه.
خامساً: يجب عليك أن تعلمي أمراً مهماً بالنسبة للدعاء، ألا وهو أن الدعاء بين ثلاث حالات:
الأولى: أن يستجيب الله لصاحبه في الدنيا.
الثانية: أن الله يدفع بهذا الدعاء بلاءً قد كان يقع على هذا الداع، فالدعاء صاعد والبلاء نازل فيتعالجان - أي يتصارعان، فمن رحمة الله بعبده أن يصرع الدعاء البلاء، فلا يقع على هذا العبد هذا البلاء بسبب دعائه.
الثالثة: أن الله يدخر لهذا العبد تلك الدعوة في الآخرة، ويعوضه عن ذلك خير عوض، وحينها يتمنى العبد أن لو لم يستجب الله له في الدنيا بكل دعوة دعا بها؛ لما عاين من الخير العظيم، والفضل الكبير، إذاً فليطمئن قلبك وأحسني الظن بربك.