وقد كان نبي الله أيوب -عليه السلام- غاية في الصبر وبه يضرب المثل في ذلك، وقد ابتلاه الله بذهاب الأهل والمال والولد ولم يبق شيء له ومع ذلك أحسن الذكر والدعاء لربه، وقال:"إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين"[الأنبياء ٨٣] . فعليك أن تتذكر ذلك لا سيما وأنت ترى الناس من حولك من منهم لم يبتلَ ببلية، فعليك أن تدرك أن ذلك ليس خاصاً بك، وأنه لا يعني أن الله يكرهك أو أنه سبحانه ناقم عليك على العكس، فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ثم واجب عليك أن تحسن الظن بربك، وتدرك أن ما يقدره الله على العبد خير له من تقديره لنفسه، وكم من قدر أصاب العبد وكرهه عند وقوعه فتبيّن له بعد حين أنه خير له، وصدق الله "وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"(٢١٦) ، [سورة البقرة ٢/٢١٦] . ثم موضوع الاستخارة ذكرت فيه أنك لم تر شيئا بعد الصلاة، وليس من شرط صحة صلاة الاستخارة رؤية شيء في المنام أو غيره، بل إذا رأيت الأمر المستخار من أجله تيسر فهو خيرة الله لك، وإذا لم يتيسر فهو من خيرة الله لك. فأنصحك أن تكثر من التوبة والاستغفار مما تكلمت به واعتقدته في حق خالقك الرحيم بك وبخلقه الرؤوف الودود سبحانه، وينبغي عليك أن تتصور أن ما أصابك من ضر أو فقد حبيب يهون أمام مصائب الآخرين ممن فقد أهله كلهم، وأصبح شريدا وحيدا يفترش الأرض ويلتحف السماء، ثم أليس حالك أحسن من حال من أصبح مشلولا أو مصاباً بمرض عضال، أو لا يملك البتة من حطام الدنيا شيئاً؟، إن الإنسان منا إذا رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، وعلم أن الله حكيم عليم خبير. ثم إني أبارك لك ثباتك على الصلاة مع ما أصابك؛ لأن هذا هو الواجب والمتعين على المسلم ألا يدع أمر ربه وطاعته مهما أصابه من بلايا ومصائب، بل على العكس العبد يزداد لجوءاً إلى الله إذا ضاقت به الدنيا وازدادت معاناته منها كما كان يفعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ثم إني أنصحك بعد هذا بأمور ومنها:
١- تذكَّر فضل الله عليك بالنعمة التي أنت فيها، في حين غيرك محروم من أكثرها.
٢- أنصحك بقراءة كتاب تسلية أهل المصائب لابن رجب الحنبلي فإنه مفيد في بابه.
٣- اجلس مع الصالحين الطيبين من أهل العلم، أو إمام مسجد ترتاح له أو شاب صالح؛ فإنهم يعينوك على ما أنت فيه.
٤- لا يفتر لسانك من الاستغفار والتوبة؛ فإنهما باب عظيم للرزق والفرج.
٥- إذا تعذَّر عليك الزواج وما منعك الصيام من التفكير في الشهوة فلا بأس بالعادة السرية للضرورة طالما أنها ستمنعك من الوقوع في الزنا، على أن تعجل بالزواج ولو باليسير مما معك، وتذكَّر أن ثلاثة حق على الله أن يعينهم ومنهم طالب النكاح.
٧- أكثر من سؤال الله الثبات على دينه وردد ما كان يردده المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من قوله:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" أخرجه ابن حبان (٩٤٣) ، وغيره من حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه-.