٥- التوكل على الله - عز وجل -: والتوكل في لسان الشرع إنما يراد به توجه القلب إلى الله حال العمل، واستمداد المعونة منه، والاعتماد عليه وحده؛ فذلك سر التوكل وحقيقته.
والشريعة أمرت العامل بأن يكون قلبه مطوياً على سراج من التوكل والتفويض، والذي يحقق التوكل هو القيام بالأسباب المأمور بها؛ فمن عطَّلها لم يصحَّ توكله.
فإذا توكل العبد على ربه، وسلم له، وفوض إليه أمره-أمده الله بالقوة، والعزيمة، والصبر، وصرف عنه الآفات التي هي عُرْضةُ اختيار العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.
وهذا يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات، ويفرغ قلبه من التقديرات، والتدبيرات التي يصعد منها في عقبة، وينزل في أخرى.
ومتى صح تفويضه، ورضاه اكتنفه في المقدورِ العطفُ عليه، واللطف فيه؛ فيصير بين عطفه ولطفه؛ فعطفه يقيه ما يحذره، ولطفه يهوِّن عليه ما قدِّر له.
ومع هذا فلا خروج للعبد عما قدر عليه؛ فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود، مشكور، ملطوف به.
وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به.
وصدق الله إذ يقول: [فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ] (آل عمران: ١٥٩) .
٦-الاستعاذة بالله: فالطيرة-كما مر-من وساوس الشيطان، وتخويفه.
فإذا استعاذ الإنسان بالله من الشيطان أعاذه الله منه، ووقاه من كيده ووسوسته.
قال- تعالى-: [وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] (فصلت: ٣٦) .
هذه بعض الأمور التي تعينك على التفاؤل، وتجنب التشاؤم.
أما شعورك بأن دعاءك لا يستجاب فذلك بسبب تشاؤمك وسوء ظنك.
وإلا فما الذي أدراك أن دعاءك لم يجب، أو ما علمت أن للدعاء شروطاً، وآداباً، وأن من أعظمها إحسان الظن بالله، وانتظار الفرج، وتجنب الاستعجال، والجزم في الدعاء، والعزم في المسألة، والإلحاح على الله - عز وجل -.
ولا ريب أن من البلاء على المؤمن أن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء، ويبالغ فيه، وتطول المدة، فلا يرى أثرًا للإجابة.
ومن هنا يجد الشيطان فرصته، فيبدأ بالوسوسة له، وإساءة ظنه بربه، وإيقاعه بالاعتراض على حكمته.
فينبغي لمن وقعت له هذه الحال ألا يختلج في قلبه شيء مما يلقيه الشيطان؛ ذلك أن تأخر الإجابة مع المبالغة في الدعاء يحمل في طياته حكمًا باهرةً، وأسرارًا بديعة، لو تدبرها الداعي لما دار في خَلَدِه تضجر من تأخر الإجابة.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك الحكم والأسرار، والتي يجمل بالداعي أن يتدبرها، ويحسن به أن يستحضرها.
١- أن تأخر الإجابة من البلاء الذي يحتاج إلى صبر: فتأخر الإجابة من الابتلاء، كما أن سرعة الإجابة من الابتلاء.
قال - تعالى -:"وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" [الأنبياء: ٣٥] .
فالابتلاء بالخير يحتاج إلى شكر، والابتلاء بالشر يحتاج إلى صبر؛ فإياك أن تستطيل زمان البلاء، وتَضْجَرَ من كثرة الدعاء؛ فإنك ممتحن بالبلاء، مُتَعَبَّدٌ بالصبر والدعاء.