قال ابن القيم- رحمه الله -: (انتظار روح الفرج يعني راحته، ونسيمه، ولذته؛ فإن انتظاره، ومطالعته، وترقبه يخفف حمل المشقة ولاسيما عند قوة الرجاء، أو القطع بالفرج؛ فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته - ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل) (٢٠) .
ب- حصول الاضطرار والافتقار إلى الله: فهذا لب العبادة ومقصودها الأعظم؛ فالافتقار إلى الله دون سواه هو عين الغنى، والتذللُ له - عز وجل - هو العز الذي لا يدانيه عز.
ثم إن حاجة الإنسان بل ضرورته إلى الافتقار والاضطرار إلى الله - لا تدانيها حاجة أو ضرورة.
ولو أجيب دعاؤه مباشرة لربما أصابه التيه بالنفس، والإدلال على الله بالعمل، ولربما شعر بالغنى عن الله - تبارك وتعالى -.
وبذلك يخرج العبد عن وصفه الذي لا ينفك عنه، والذي فيه جماله وكماله ألا وهو افتقاره إلى ربه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله -: (والعبد هو فقير دائمًا إلى الله من كل وجه؛ من جهة أنه معبوده، وأنه مستعانه، فلا يأتي بالنعم إلا هو، ولا يَصْلُح حال العبد إلا بعبادته.
وهو مذنب - أيضًا - لا بد له من الذنوب فهو دائمًا فقير مذنب؛ فيحتاج دائمًا إلى الغفور الرحيم؛ الغفور الذي يغفر ذنوبه، والرحيم الذي يرحمه فينعم عليه، ويحسن إليه؛ فهو دائمًا بين إنعام ربه وذنوب نفسه) (٢١) .
جـ- حصول عبودية الرضا: (فالرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، وبستان العارفين) (٢٢) .
فمن رضي عن الله وبالله رضي الله عنه وأرضاه؛ فالمؤمن حين تنزل به النازلة يدعو ربه، ويبالغ في ذلك، فلا يرى أثرًا للإجابة، فإذا قارب اليأس نُظِرَ حينئذٍ في قلبه، فإن كان راضيًا بالأقدار، غير قنوط من فضل الله فالغالب تعجيل الإجابة؛ فهناك يصلح الإيمان، ويهزم الشيطان، وتتبين مقادير الرجال.
وقد أشير إلى هذا في قوله - تعالى -: [حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ] [البقرة: ٢١٤] .
وكذلك جرى ليعقوب - عليه السلام - مع أولاده كما مر قريبًا.
أما الاعتراض وقلة الرضا عن الله فخروج عن صفة العبودية.
قال بعضهم: (ارض عن الله في جميع ما يفعله بك؛ فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك؛ فإياك أن تفارق الرضا عنه طرفة عين، فتسقط من عينه) (١) .
قال ابن ناصر الدين الدمشقي- رحمه الله -:
لمؤمن واثق بالله لا لاهي *** يجري القضاءُ وفيه الخير نافلة
في الحالتين يقول الحمد لله (٢٤) *** إن جاءه فرح أو نابه ترح
د- الانكسار بين يدي جبار السماوات والأرض: فالله - عز وجل - يحب المنكسرين بين يديه، فيدنيهم، ويقرب منهم، بل هو - عز وجل - عند المنكسرة قلوبهم.
ذكر عن عمران بن موسى القصير قال: قال موسى - عليه السلام -: (يا رب، أين أبغيك؟
قال: ابغني عند المنكسرة قلوبهم؛ فإني أدنو منهم كل يوم باعًا، ولولا ذلك انهدموا) (١) .
فربما كان تأخر الإجابة سببًا لإطالة الوقوف على باب الله، وانكسار العبد بين يديه، وكثرة اللجأ إليه، والاعتصام به.