يقول الألوسي – رحمه الله – في (الأجوبة العراقية)(ص ٢٣-٢٤) : "ليس مرادنا من كون الصحابة – رضي الله عنهم – جميعهم عدولاً: أنهم لم يصدر عن واحد منهم مفسَّق أصلاً، ولا ارتكب ذنباً قط، فإن دون إثبات ذلك خرط القتاد، فقد كانت تصدر منهم الهفوات...." إلى أن قال: " ثم إن مما تجدر الإشارة إليه، وأن يكون الإنسان على علم منه: هو أن الذين قارفوا إثماً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم حُدّوا هم قلة نادرة جداً، لا ينبغي أن يُغَلَّب شأنهم وحالهم على الألوف المؤلفة من الصحابة – رضي الله عنهم – الذين ثبتوا على الجادة والصراط المستقيم، وحفظهم الله – تبارك وتعالى – من المآثم والمعاصي، ما كبُر منها وما صغر، وما ظهر منها وما بطن، والتاريخ الصادق أكبر شاهد على هذا ".
ويقول الغزالي في (المستصفى)(ص ١٨٩-١٩٠) : "والذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلف: أن عدالتهم معلومة بتعديل الله – عز وجل – إياهم، وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك لا يثبت، فلا حاجة لهم إلى تعديل".
(٧) والمقصود بالمفسَّقات التي نتحدث عنها: ما عدا الفتن التي نشبت بينهم – رضي الله عنهم – فمع كون قتل المسلم يُعد مفسَّقاً إلا أن ما كان منه بتأويل يخرج عما نحن بصدده، والأدلة على هذا كثيرة، ومن أهمها:
قوله - تعالى -: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما "[الحجرات:١٠] ، فوصفهم- سبحانه – بالإيمان مع وجود الاقتتال.
وأخرج البخاري (٢٧٠٤) عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال عن الحسن بن علي – رضي الله عنهما –: " إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". ولذا عذر أهل السنة كلتا الطائفتين، وتولّوهما، وإن كانت واحدة أقرب إلى الحق من الأخرى.