أما سب الصحابة –رضي الله عنهم- فمحرم بنص الكتاب العظيم والسنة النبوية وإجماع أهل السنة والجماعة، وقد اختلف أهل العلم في حكم من سبهم، فمن قائل بأنه كافر يجب قتله، ومن قائل بأنه فاسق مبتدع يعاقب بما دون القتل، وكل له أدلته، ولعل الصواب في هذا أن يقال بأن سب الصحابة – رضي الله عنهم- على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يسبهم بما يقتضي الكفر وهو بما تقتضي أن عامتهم فسقوا، أو سبهم بما يقدح في دينهم وعدالتهم فهذا كفر، لأنَّه تكذيب لله ورسوله – عليه الصلاة والسلام - في تزكيتهم والثناء عليهم والترضي عنهم؛ ولأن مضمون هذه المقالة إبطال الشريعة بكاملها؛ لأنَّ الصحابة –رضي الله عنهم- هم نقلتها، وصاحب هذا القول يزعم أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق.
الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بعدم كفره يجب أن يعزر ويحبس حتى الموت أو يرجع عما قال.
الثالث: أن يسبهم بما لايقدح في دينهم كالجبن والبخل، فلا يكفر ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك.
ومع ذلك فأهل السنة لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة –رضي الله عنهم- معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من المحاسن والفضائل ما يوجب مغفرته، أو أنهم قد تابوا، أو أتوا حسنات عظيمة ماحية، أو غفر لهم بفضل سابقتهم إلى الإسلام، أو بشفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلوا ببلاء في الدنيا كفّر به عنهم، هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور لهم، ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم نزر قليل مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله – عليه الصلاة والسلام - والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح.