ومن نظر في سيرهم بعلم وبصيرة، وما منَّ الله به عليهم من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى، بل هم خير القرون في جميع الأمم كما صرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" رواه البخاري (٢٦٥٢) ، ومسلم (٢٥٣٣) من حديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- وأهل السنة يمسكون عما شجر بين الصحابة – رضي الله عنهم - من نزاع وقتال من بعد مقتل عثمان – رضي الله عنه -، ويعتقدون أن ما جرى كان عن تأويل واجتهاد، حيث يظن كل فريق أنَّه على الحق، إذ لايظن بهم ولا يعقل منهم أن يحصل ما حصل وهم يعتقدون أنهم على باطل، ولكن ذلك الاجتهاد لايستلزم أن يكون كل فريق قد أصاب الحق، بل الحق كان مع علي رضي الله عنه، هذا في الحكم على الفاعل، أمَّا في الموقف منه فإنه يجب الإمساك عما شجر، ونسكت عما جرى بينهم ولا يذكر ويطوى ولا يروى إلاَّ لضرورة تقتضيها المصلحة الشرعية.
وهذه الأحكام المذكورة في حكم سب الصحابة – رضي الله عنهم - مندرجة تحت ضابط مهم من ضوابط التبديع والتكفير، ملخصه أن هناك فرقاً في الحكم بين العموم والإطلاق والتعيين والتخصيص عند إطلاق وصف الكفر أو الشرك أو النفاق أو البدعة أو الفسق، وعند إطلاق الشهادة بالجنة والنار.
ففي حالة العموم والإطلاق يجوز وصف العمل أو القول بأنه كفر أو شرك أو نفاق أو بدعة أو فسق، إذا كان هذا هو حكمه في شرع الله تعالى، أمَّا عند تعيين إنسان بعينه أو طائفة بعينها حصل منهم هذا الفعل أو القول الموصوف شرعاً بالكفر أو الشرك أو النفاق أو البدعة أو الفسق فلايجوز إطلاق هذا الوصف على المعين إلاَّ بعد وجود شروط هذا الوصف في المعين وانتفاء الموانع عنه، ومن أهم الشروط بلوغ الحجة الرسالية وفهمها.