فإن العقيدة الصحيحة هي المستمدة من الكتاب والسنة، كما فهمها الصحابة الكرام رضي الله عنهم بمقتضى اللسان العربي الذي أنزل الله به كتابه، ولم يقع بين الصحابة رضوان الله عليهم خلاف في أمر من أمور الاعتقاد، وإن اختلفوا في بعض الفروع الفقهية، وكذلك سار على نهجهم التابعون وتابعوهم من القرون المفضلة، لا يختلفون في شيء من مسائل الاعتقاد، وإنما وقع الخلاف من غيرهم، ممن سلك مسلك المتكلمين، وهجر طريقة أهل الحديث القائمة على الرواية والدراية، وذم الرأي وأهله، وقد نشأت ناشئة أرادت التوفيق بين طريقة السلف المعظمة للنصوص، وطريقة المعتزلة المقدمة للعقل على النقل، فلفقت مذهباً لم يتخلص من اشكالات وشبهات المعتزلة، ولم يحسنوا فهم طريقة السلف، وهو مذهب "الكلابية" الذي تمخضت عنه "الأشعرية" و "الماتريدية" وأتباع المحابسي، والقلانسي، وهم الذين عرفوا بـ "الصفاتية"، وقد كتب لمذهب الأشعري الانتشار لتبني دول وممالك إسلامية له، وحملها الناس عليه بحد السيف، كبعض ملوك بني أيوب في المشرق، ودولة الموحدين في المغرب، وهلك بسبب تلك الحملة خلق كثير، كما حكى ذلك المقريزي.
ومما لا شك فيه أن الأشاعرة يميزون بين طريقتهم وطريقة السلف، ولا يرون أنهما متطابقتان، فلذلك يقولون طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم!! وكتبهم وعقائدهم طافحة في النص على طريقة السلف، وطريقة الخلف، وهذا التقسيم بحد ذاته دليل برأسه على اعتراف القوم بمفارقتهم لما كان عليه السلف المتقدمون، وإن لم يكن فرق فلم التقسيم؟! وليسعهم ما وسع خير القرون.