أما حكم المبتدع عند أهل السنة فحكمه حكم مرتكب الكبيرة باعتبارين: باعتبار البدعة نفسها، فهناك بدعة مكفرة، كما أن هناك كبائر مكفرة مثل الشرك بالله، فهذه مكفرة مخرجة من الملة من حيث العموم لا من حيث الأعيان، فالمعين يشترط فيه، إضافةً إلى ارتكابها – أي المكفرة- انتفاء الموانع من حكم التكفير، فإن انتفت حكم عليه بالكفر، أما الاعتبار الثاني فهو باعتبار المبتدع نفسه، وهذه فيها تفصيل:
١- فإذا كانت البدعة مكفرة، فعرف أنها مكفرة والتزمها، وقامت الحجة عليه، وكشف له عن الشبهات الداعية إلى ارتكابها، ثم أصر على ذلك فهو كافر بهذه البدعة المكفرة.
٢- إن كانت البدعة مفسقة، كسائر البدع، كبدعة الإرجاء، أو الخروج، أو نحوها فمرتكبها حكمه حكم مرتكب الكبيرة، فاسق ببدعته، ولكنه من أهل القبلة ولا يخرج من الإسلام حتى وإن أصر عليها؛ لأنه لا يصر عليها عادة، إلا بسبب تأول عنده وعدم قناعة بحجة الخصم.
نعم، مثل هذا لا يعد من أهل السنة فيما خالف فيه أهل السنة، فإذا كانت بدعته في الإيمان، مثلاً، فإنه لا يعد من أهل السنة في هذه المسألة، ولكنه يعد من أهل السنة فيما وافق فيه أهل السنة، ولكنه لا يخرج عن دائرة الإسلام، فهو من أهل القبلة، ويسمى بالفاسق المِلِّي أو المبتدع المِلِّي، يعني من أهل الملة التي هي الإسلام، وهذا في أفراد البدع.
أما البدع ذات الأصول والقواعد، وهي بدع الفرق كالمعتزلة والأشاعرة والخوارج والمرجئة ونحوهم، فهذه من التزم أصولهم وقواعدهم ومنهجهم في الاعتقاد فهو منهم، فمن التزم الأصول الخمسة عند المعتزلة، مثلاً، فهو معتزلي، ومن التزم القول بالقانون الكلي عند الأشاعرة، وإثبات الصفات السبع فقط والقول بالكلام النفسي، وبكتب الأشعري فهو من الأشاعرة، وهكذا.